الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (25)

قوله تعالى : { لِيَحْمِلُواْ } : في هذه اللام ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنها لامُ الأمرِ الجازمةُ على معنى الحَتْمِ عليهم ، والصِّغارِ الموجبِ لهم ، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ عند قولِه " الأوَّلين " ، ثم اسْتُؤْنِف أَمْرُهم بذلك . الثاني : أنها لامُ العاقبة ، أي : كان عاقبةُ قولِهم ذلك ، لأنهم لم يقولوا " أساطير " لِيَحْمِلوا ، فهو كقولِه تعالى { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] ، وقوله :

لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الثالث : أنَّها للتعليل ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه تعليلٌ مجازيٌّ . قال الزمخشري : " واللامُ للتعليلِ مِنْ غيرِ أن يكونَ غرضاً نحو قولِك : خرجْتُ من البلد مخافةَ الشرِّ " . والثاني : أنه تعليلٌ حقيقةً . قال ابن عطية : - بعد حكاية وجهِ لامِ العاقبة - " ويُحتمل أن تكونَ صريحَ لامِ كي ، على معنى : قَدَّر هذا لكذا " انتهى . لكنه لم يُعَلِّقُها ب " قالوا " إنما قَدَّرَ لها علةَ " كيلا " ، وهو قَدَّر هذا ، وعلى قول الزمخشري يتعلَّقُ ب " قالوا " ؛ لأنها ليست لحقيقةِ العلَّةِ . و " كاملةً " حالٌ .

قوله : { وَمِنْ أَوْزَارِ } فيه وجهان ، أحدهما : أنَّ " مِن " مزيدةٌ ، وهو قولُ الأخفش ، أي : وأوزار الذين على معنى : ومثل أوزارِ ، كقولِه : كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها " . والثاني : أنها غيرُ مَزيدةٍ وهي للتبعيضِ ، أي : وبعض أوزارِ الذين . وقدَّر أبو البقاء مفعولاً حُذِف وهذه صفتُه ، أي : وأوزاراً مِنْ أوزارِ ، ولا بدَّ مِنْ حذف " مثل " أيضاً .

وقد منع الواحديُّ أن تكونَ " مِنْ " للتبعيض قال : " لأنه يَسْتلزِمُ تخفيفَ الأوزارِ عن الأتباع ، وهو غيرُ جائزٍ لقوله عليه السلام " من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيءٌ " لكنها للجنس ، أي : ليحملوا من جنس أوزارِ الأتباع " . قال الشيخ : " والتي لبيانِ الجنسِ لا تتقدَّر هكذا ، إنما تتقدَّر : والأوزار التي هي أوزارُ الذين ، فهو من حيث المعنى كقول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير " .

قوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حالٌ ، وفي صاحبِها وجهان ، أحدُهما : أنه مفعولٌ " يُضِلُّونهم " ، أي : يُضِلُّون مَنْ لا يعلم أنهم ضُلاَّلٌ ، قاله الزمخشري . والثاني : أنه الفاعل ، ورُجِّح هذا بأنه هو المُحدَّث عنه . وقد تقدَّم الكلامُ في إعرابِ نحو " ساءَ ما يَزِرون " ، وأنها قد تجري مَجْرى بِئْس .