البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (25)

واللام في ليحملوا لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم ، أو لام التعليل من غير أن يكون غرضاً كقولك : خرجت من البلد مخافة الشر ، وهي التي يعبر عنها بلام العاقبة ، لأنهم لم يقصدوا بقولهم : أساطير الأولين ، أن يحملوا الأوزار .

ولما قال ابن عطية : إنه يحتمل أن تكون لام العاقبة قال : ويحتمل أن يكون صريح لام كي على معنى قدر هذا لكذا ، وهي لام التعليل ، لكنه لم يعلقها بقوله .

قالوا : بل أضمر فعلاً آخر وهو : قدر هذا ، وكاملة حال أي : لا ينقص منها شيء ، ومِن للتبعيض .

فالمعنى : أنه يحمل من وزر كل من أضل أي : بعض وزر من ضلّ بضلالهم ، وهو وزر الإضلال ، لأنّ المضل والضال شريكان ، هذا يضله ، وهذا يطاوعه على إضلاله ، فيتحاملان الوزر ، وقال الأخفش : مِن زائدة أي : وأوزار الذين يضلونهم ، والمعنى : ومثل { أوزار الذين يضلونهم } كقوله : «فعليه وزرها ووزر عن عمل بها إلى يوم القيامة » المراد : ومثل وزر ، والمعنى : أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه حتى أن ذلك العقاب يكون مساوياً لعقاب كل من اقتدى به في ذلك .

وقال الواحدي : ليست مِن للتبعيض ، لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع ، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام : «من غير أن ينقص من أوزارهم شيء » لكنها للجنس أي : ليحملوا من جنس أوزار الاتباع انتهى .

ولا تتقدر من التي لبيان الجنس هذا التقدير الذي قدره الواحدي ، وإنما تقدر : الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم ، فيؤول من حيث المعنى إلى قول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير .

وبغير علم قال الزمخشري : حال من المفعول أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلال .

وقال غيره : حال من الفاعل وهو أولى ، إذ هو المحدث عنه المسند إليه الإضلال على جهة الفاعلية ، والمعنى : أنهم يقدمون على هذا الإضلال جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال .

ثم أخبر تعالى عن سوء ما يتحملونه للآخرة ، وتقدم الكلام في إعراب مثل ساء ما يزرون .