لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (25)

{ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } اللام في ليحلموا لام العاقبة وذلك أنهم لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأولين ، كانت عاقبتهم بذلك أن يحملوا أوزارهم يعني ذنوب أنفسهم وإنما قال سبحانه وتعالى : كاملة لأن البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البر التي عملوها في الدنيا ، لا تكفر عنهم شيئاً يوم القيام بل يعاقبون بكل أوزارهم قال الإمام فخر الدين : وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين ، إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً في حق الكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة . وقوله سبحانه وتعالى { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } يعني ويحصل للرؤساء الذين أضلوا غيرهم وصدوهم عن الإيمان ، مثل أوزار الأتباع والسبب فيه ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً » أخرجه مسلم ومعنى الآية ، والحديث أن الرئيس أو الكبير إذا سنَّ سنة حسنة أو سنة قبيحة ، فتبعه عليها جماعة ، فعملوا بها فإن الله سبحانه وتعالى يعظم ثوابه أو عقابه حتى يكون ذلك الثواب أو العقاب مساوياً لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع ، الذين عملوا بسنته الحسنة أو القبيحة ، وليس المراد أن الله تعالى : يوصل جميع الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء ، لأن ذلك ليس بعدل ويدل عليه قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } قال الواحدي : ولفظة من في قوله ومن أوزار الذين يضلونهم ، بغير علم ليست للتبعيض لأنها لو كانت للتبعيض لنقص عن الأتباع بعض الأوزار ، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام « لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً » ، ولكنها للجنس أي ليحملوا من جنس أوزار الأتباع وقوله : بغير علم يعني أن الرؤساء إنما يقدمون على إضلال غيرهم ، بغير علم ، بما يستحقونه من العقاب ، على ذلك الإضلال بل يقدمون على ذلك جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد . { ألا ساء ما يزرون } يعني ألا بئس ما يحملون ففيه وعيد وتهديد .