قوله " لِيَحملُوا " لمَّا حكى شبهتهم قال : " لِيَحْمِلُوا " وفي هذه اللام ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنها لامُ الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم ، والصغار الموجب لهم ، وعلى هذا فقد تمَّ الكلام عند قوله : " الأوَّلِينَ " ثم استؤنف أمرهم بذلك .
الثاني : أنها لام العاقبة ، أي : كان عاقبة [ قولهم ]{[19779]} ذلك ؛ لأنَّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا ؛ فهو كقوله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] .
3309- لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا للخَرابِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . {[19780]}
الثالث : أنها للتعليل ، وفيه وجهان :
قال الزمخشريُّ رحمه الله : واللام للتعليل من غير أن تكون غرضاً ؛ نحو قولك " خَرجْتُ مِنَ البَلدِ مَخافَةَ الشَّرِّ " .
قال ابن عطيَّة{[19781]} بعد حكاية وجه لامِ العاقبةِ : " ويحتمل أن يكون صريح لام كي ؛ على معنى قدِّر هذا ؛ لكذا " انتهى .
لكنه لم يعلِّقها بقوله " قَالُوا " إنما قدَّر لها عاملاً ، وهو " قدَّر " هذا .
وعلى قول الزمخشري يتعلق ب " قَالُوا " لأنها ليست لحقيقة العلَّة ، و " كَامِلةً " حالٌ ، والمعنى لا يخفَّف من عقابهم شيءٌ ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم ، وهذا يدل على أنَّه - تعالى - قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً للكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفَّار بهذا التكميل فائدة .
قال - صلوات الله وسلامه عليه- : " أيُّمَا دَاعٍ دَعَى إلى الهُدَى ، فاتُّبعَ ، كَانَ لهُ مِثْلُ أجْرِ مَن اتَّبعَهُ لا يَنقصُ مِنْ أجُورِهِمْ شيءٌ ، وأيُّمَا داعٍ دَعَى إلى الضَّلالِ فاتُّبعَ ؛ كَان عَليْهِ وِزْرُ من اتَّبعَه لا ينقص مِنْ آثامهمْ شيءٌ{[19782]} " .
قوله : { وَمِنْ أوْزَارِ } فيه وجهان :
أحدهما : أنَّ " مِنْ " مزيدة ، وهو قول الأخفش ، أي : وأوزار الذين ، على معنى : ومثل أوزار ؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام- : " كَانَ عَليْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ منْ عَمِلَ بِهَا{[19783]} " .
الثاني : أنها غير مزيدة ، وهي للتبعيض ، أي : وبعض أوزار الذين ، وقدَّر أبو البقاءِ : مفعولاً حذف ، وهذه صفته ، أي : وأوزار من أوزار ، ولا بد من حذف " مثل " أيضاً .
ومنع الواحديُّ أن تكون " مِنْ " للتبعيض ، قال : " لأنَّهُ يستلزم تخفيف الأوزار عن الأتباع ، وهو غير جائز ، لقوله - صلوات الله وسلامه عليه- : " مِنْ غَيْرِ أن يَنقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شيء " لكنها للجنس ، أي : ليحملوا من جنس أوزار الأتباع " .
قال أبو حيان{[19784]} : " والتي لبيان الجنس لا تقدَّر هكذا ؛ وإنَّما تقدر الأوزار التي هي أوزارُ الذين يذلونهم فهو من حيث المعنى موافق لقول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير " .
قوله تعالى : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنه مفعول يُضِلُّونَ " أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ ؛ قاله الزمخشريُّ .
والثاني : أنه الفاعل ، ورجِّح هذا بأنَّه المحدث عنه ، وتقدم الكلام في إعراب نحو : " سَاء مَا يَزرُونَ " وأنَّها قد تجري مجرى بِئْسَ ، والمقصود منه المبالغة في الزَّجْرِ .
فإن قيل : إنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة عنهم ، ولم يجب عنها ، بل اقتصر على محض الوعيد ، فما السبب فيه ؟ .
فالجواب : أنه - تعالى - بين كون القرآن معجزاً بطريقين :
الأول : أنه - صلوات الله وسلامه عليه - تحدَّاهم تارة بكل القرآن ، وتارة بعشر سورٍ ، وتارة بسورةٍ واحدةٍ ، وتارة بحديثٍ واحدٍ ، وعجزوا عن المعارضة ؛ وذلك يدل على كون القرآن معجزاً .
الثاني : أنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة بعينها في قوله : { اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] ، وأبطلها بقوله : { قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات } [ الفرقان : 6 ] أي : أنَّ القرآن مشتملٌ على الإخبارِ عن الغيوب ، وذلك لا يتأتَّى إلا ممَّن يكون عالماً بأسرار السماوات ، والأرض ، ولما ثبت كون القرآن معجزاً بهذين الطريقين ، وتكرر شرحهما مراراً ؛ لا جرم اقتصر ههنا على مجرد الوعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.