اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (25)

قوله " لِيَحملُوا " لمَّا حكى شبهتهم قال : " لِيَحْمِلُوا " وفي هذه اللام ثلاثة أوجهٍ :

أحدها : أنها لامُ الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم ، والصغار الموجب لهم ، وعلى هذا فقد تمَّ الكلام عند قوله : " الأوَّلِينَ " ثم استؤنف أمرهم بذلك .

الثاني : أنها لام العاقبة ، أي : كان عاقبة [ قولهم ]{[19779]} ذلك ؛ لأنَّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا ؛ فهو كقوله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] .

قال : [ الوافر ]

3309- لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا للخَرابِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . {[19780]}

الثالث : أنها للتعليل ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه تعليل مجازي .

قال الزمخشريُّ رحمه الله : واللام للتعليل من غير أن تكون غرضاً ؛ نحو قولك " خَرجْتُ مِنَ البَلدِ مَخافَةَ الشَّرِّ " .

والثاني : أنه تعليلٌ حقيقة .

قال ابن عطيَّة{[19781]} بعد حكاية وجه لامِ العاقبةِ : " ويحتمل أن يكون صريح لام كي ؛ على معنى قدِّر هذا ؛ لكذا " انتهى .

لكنه لم يعلِّقها بقوله " قَالُوا " إنما قدَّر لها عاملاً ، وهو " قدَّر " هذا .

وعلى قول الزمخشري يتعلق ب " قَالُوا " لأنها ليست لحقيقة العلَّة ، و " كَامِلةً " حالٌ ، والمعنى لا يخفَّف من عقابهم شيءٌ ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم ، وهذا يدل على أنَّه - تعالى - قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً للكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفَّار بهذا التكميل فائدة .

قال - صلوات الله وسلامه عليه- : " أيُّمَا دَاعٍ دَعَى إلى الهُدَى ، فاتُّبعَ ، كَانَ لهُ مِثْلُ أجْرِ مَن اتَّبعَهُ لا يَنقصُ مِنْ أجُورِهِمْ شيءٌ ، وأيُّمَا داعٍ دَعَى إلى الضَّلالِ فاتُّبعَ ؛ كَان عَليْهِ وِزْرُ من اتَّبعَه لا ينقص مِنْ آثامهمْ شيءٌ{[19782]} " .

قوله : { وَمِنْ أوْزَارِ } فيه وجهان :

أحدهما : أنَّ " مِنْ " مزيدة ، وهو قول الأخفش ، أي : وأوزار الذين ، على معنى : ومثل أوزار ؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام- : " كَانَ عَليْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ منْ عَمِلَ بِهَا{[19783]} " .

الثاني : أنها غير مزيدة ، وهي للتبعيض ، أي : وبعض أوزار الذين ، وقدَّر أبو البقاءِ : مفعولاً حذف ، وهذه صفته ، أي : وأوزار من أوزار ، ولا بد من حذف " مثل " أيضاً .

ومنع الواحديُّ أن تكون " مِنْ " للتبعيض ، قال : " لأنَّهُ يستلزم تخفيف الأوزار عن الأتباع ، وهو غير جائز ، لقوله - صلوات الله وسلامه عليه- : " مِنْ غَيْرِ أن يَنقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شيء " لكنها للجنس ، أي : ليحملوا من جنس أوزار الأتباع " .

قال أبو حيان{[19784]} : " والتي لبيان الجنس لا تقدَّر هكذا ؛ وإنَّما تقدر الأوزار التي هي أوزارُ الذين يذلونهم فهو من حيث المعنى موافق لقول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير " .

قوله تعالى : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال وفي صاحبها وجهان :

أحدهما : أنه مفعول يُضِلُّونَ " أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ ؛ قاله الزمخشريُّ .

والثاني : أنه الفاعل ، ورجِّح هذا بأنَّه المحدث عنه ، وتقدم الكلام في إعراب نحو : " سَاء مَا يَزرُونَ " وأنَّها قد تجري مجرى بِئْسَ ، والمقصود منه المبالغة في الزَّجْرِ .

فإن قيل : إنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة عنهم ، ولم يجب عنها ، بل اقتصر على محض الوعيد ، فما السبب فيه ؟ .

فالجواب : أنه - تعالى - بين كون القرآن معجزاً بطريقين :

الأول : أنه - صلوات الله وسلامه عليه - تحدَّاهم تارة بكل القرآن ، وتارة بعشر سورٍ ، وتارة بسورةٍ واحدةٍ ، وتارة بحديثٍ واحدٍ ، وعجزوا عن المعارضة ؛ وذلك يدل على كون القرآن معجزاً .

الثاني : أنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة بعينها في قوله : { اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] ، وأبطلها بقوله : { قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات } [ الفرقان : 6 ] أي : أنَّ القرآن مشتملٌ على الإخبارِ عن الغيوب ، وذلك لا يتأتَّى إلا ممَّن يكون عالماً بأسرار السماوات ، والأرض ، ولما ثبت كون القرآن معجزاً بهذين الطريقين ، وتكرر شرحهما مراراً ؛ لا جرم اقتصر ههنا على مجرد الوعيد .


[19779]:في ب: أمرهم.
[19780]:تقدم.
[19781]:ينظر: المحرر الوجيز 3/387.
[19782]:أخرجه بهذا اللفظ الطبري في "تفسيره" (7/576) عن الربيع بن أنس مرسلا وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/217) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم. وله شاهد من حديث أنس أخرجه ابن ماجه (205). وقال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف. وللحديث شاهد قوي من حديث أبي هريرة. أخرجه مسلم (4/2060) كتاب العلم: من سن سنة حسنة (16/2674) وابن ماجه (1/75) المقدمة: باب من سن سنة حسنة أو سيئة (206) وأبو داود (4609) والترمذي (2674). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[19783]:انظر: الحديث السابق.
[19784]:ينظر: البحر المحيط 5/470.