تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

{ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }

يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين : { إن الله عهد إلينا } أي : تقدم إلينا وأوصى ، { ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } فجمعوا بين الكذب على الله ، وحصر آية الرسل بما قالوه ، من هذا الإفك المبين ، وأنهم إن لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار ، فهم -في ذلك- مطيعون لربهم ، ملتزمون عهده ، وقد علم أن كل رسول يرسله الله ، يؤيده من الآيات والبراهين ، ما على مثله آمن البشر ، ولم يقصرها على ما قالوه ، ومع هذا فقد قالوا إفكا لم يلتزموه ، وباطلا لم يعملوا به ، ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات } الدالات على صدقهم { وبالذي قلتم } بأن أتاكم بقربان تأكله النار { فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين } أي : في دعواهم{[178]}  الإيمان برسول يأتي{[179]}  بقربان تأكله النار ، فقد تبين بهذا كذبهم ، وعنادهم وتناقضهم .


[178]:- في ب: دعواكم.
[179]:- في ب: يأتيكم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

180

هنا يجبههم القرآن بواقعهم التاريخي . . لقد قتلوا هؤلاء الأنبياء الذين جاءوهم بالخوارق التي طلبوها وجاءوهم بآيات الله بينات :

( الذين قالوا : إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول ، حتى يأتينا بقربان تأكله النار . قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ، فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ؟ ) .

وهي مجابهة قوية ، تكشف عن كذبهم والتوائهم وإصرارهم على الكفر ، وتبجحهم بعد ذلك وافترائهم على الله !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مّن قَبْلِي بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ عَهِدَ إلَيْنا أنْ لا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ . وقوله : { الّذِينَ قالوا إنّ اللّهَ } في موضع خفص ردّا على قوله : { الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ فَقِيرٌ } ويعني بقوله : { قالُوا إنّ الله عَهِدَ إلَيْنَا أن لا نُؤْمِنَ لرَسُولٍ } أوصانا وتقدّم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه ، أن لا نؤمن لرسول . يقول : أن لا نصدّق رسولاً فيما يقول إنه جاء به من عند الله ، من أمر ونهي وغير ذلك { حَتّى يَأْتِينَا بُقْرَبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ } يقول : حتى يجيئنا بقربان ، وهو ما تقرّب به العبد إلى ربه من صدقة ، وهو مصدر مثل العدوان والخسران من قولك : قرّبت قربانا . وإنما قال : «تأكله النار » ، لأن أكل النار ما قرّبه أحدهم لله في ذلك الزمان كان دليلاً على قبول الله منه ما قرّب له ، ودلالة على صدق المقرب فيما ادّعى أنه محقّ فيما نازع أو قال . كما :

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { حتى يأتينا بقُرْبانٍ تأْكُلُهُ النّارُ } كان الرجل يتصدّق ، فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { بُقْربَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ } كان الرجل إذا تصدق بصدقة ، فتقبلت منه بعث الله نارا من السماء ، فنزلت على القربان فأكلته .

فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { أن لا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِينَا بِقُرْبانِ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلي بالبَيّنَاتِ } يعني : بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم¹ { وَبالّذِي قُلْتُمْ } يعني : وبالذي ادّعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه ، والإقرار بنبوّته من أكل النار قربانه إذا قرّب لله دلالة على صدقه¹ { فَلمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يقول له : قل لهم : قد جاءتكم الرسل الذي كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم ، فقتلتموهم ، فلم قتلتموهم وأنتم مقرّون بأن الذي جاءوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم إن كنتم صادقين في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته ؟

وإنما أعلم الله عباده بهذه الاَية ، أن الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن يفرّوا ، وأن يكونوا في كذبهم على الله ، وافترائهم على ربهم ، وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يعلمونه صادقا محقا ، وجحودهم نبوّته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه ، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيديهم الله بها ، والأدلة التي أبان صدقهم بها ، افتراءً على الله ، واستخفافا بحقوقه .