تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

{ 33 } { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }

أي : إذا جمعهم الله في موقف القيامة ، أخبرهم بعجزهم وضعفهم ، وكمال سلطانه ، ونفوذ مشيئته وقدرته ، فقال معجزا لهم : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : تجدون منفذا مسلكا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه ، { فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } أي : لا تخرجون عنه إلا بقوة وتسلط منكم ، وكمال قدرة ، وأنى لهم ذلك ، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟ ! ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه ، ولا تسمع إلا همسا ، وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك ، والرؤساء والمرءوسون ، والأغنياء والفقراء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

ثم يمضي في الإيقاع المرعب المزلزل ، يتحداهما أن ينفذا من أقطار السماوات والأرض :

يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوت والأرض فانفذوا . .

وكيف ? وأين ?

( لا تنفذون إلا بسلطان ) .

ولا يملك السلطان إلا صاحب السلطان . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

وقوله : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا فقال بعضهم : معنى ذلك : إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض ، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم ، فجوزوا ذلك ، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم ، قالوا : وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة . قالوا : ومعنى الكلام : سنفرغ لكم أيها الثقلان ، فيقال لهم : يَا مَعْشَرَ الجِنّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَار السّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، قال : «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقّقت بأهلها ، ونزل من فيها من الملائكة ، فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية ، ثم بالثالثة ، ثم بالرابعة ، ثم بالخامسة ، ثم بالسادسة ، ثم بالسابعة ، فصفوا صفا دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنادِ ، يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ، وذلك قوله : وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا ، وجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ ، وقوله : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ ، وذلك قوله : وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ والمَلَكُ على أرْجائها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ، فانفدوا هاربين من الموت ، فإن الموت مُدرككم ، ولا ينفعكم هربكم منه . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ . . . الاَية ، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت ، وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه ، ولا محيصا ، لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان الله ، ولأخذهم الله بالموت .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يا مَعَشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه ، لن تعلموه إلا بسلطان ، يعني البينة من الله جلّ ثناؤه .

وقال آخرون : معنى قوله : لا تَنْفُذُونَ لا تخرجون من سلطاني . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول : لا تخرجون من سلطاني .

وأما الأقطار فهي جمع قُطْر ، وهي الأطراف . كما :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : من أطرافها .

وقوله جلّ ثناؤه : وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول : من أطرافها .

وأما قوله : إلاّ بسُلْطانٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل .

وقال آخرون : معناه : إلا بحجة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عِكرمة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ قال : كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بسُلْطانٍ قال : بحجة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا بملك وليس لكم ملك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة فانْفُذُوا لا تَنْفُذُون إلاّ بسُلْطانٍ قال : لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ قال : إلا بسلطان من الله ، إلا بملكة منه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول إلا بملكة من الله .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : إلا بحجة وبينة ، لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب ، وقد يدخل الملك في ذلك ، لأن الملك حجة .