تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

ذكر أفعالهم القبيحة ، ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم ، ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله ، والفوز بثوابه ، وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، أي : قليلة تعد بالأصابع ، فجمعوا بين الإساءة والأمن .

ولما كان هذا مجرد دعوى ، رد الله تعالى عليهم فقال : { قُلْ } لهم يا أيها الرسول { أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا } أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته ، فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل . { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما : إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا ، فتكون دعواهم صحيحة . وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة ، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم ، وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا ، لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء ، حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم ، ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق ، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون ، قائلون عليه ما لا يعلمون ، والقول عليه بلا علم ، من أعظم المحرمات ، وأشنع القبيحات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

75

من تلك الأماني التي لا تستقيم مع عدل الله ، ولا تتفق مع سنته ، ولا تتمشى مع التصور الصحيح للعمل والجزاء . . أن يحسبوا أنهم ناجون من العذاب مهما فعلوا ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات يخرجون بعدها إلى النعيم . . علام يعتمدون في هذه الأمنية ؟ علام يحددون الوقت كأنهم مستوثقون ؟ وكأنها معاهدة محدودة الأجل معلومة الميقات ؟ لا شيء إلا أماني الأميين الجهال ، وأكاذيب المحتالين العلماء ! الأماني التي يلجأ إليها المنحرفون عن العقيدة الصحيحة ، حين يطول بهم الأمد ، وينقطع ما بينهم وبين حقيقة دينهم ، فلا يبقى لهم منه إلا اسمه وشكله ، دون موضوعه وحقيقته ويظنون أن هذا يكفيهم للنجاة من العذاب بحكم ما يعلنونه بألسنتهم من أنهم على دين الله :

( وقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . قل : أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ) . .

وهذا هو التلقين الإلهي للحجة الدامغة : ( أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ؟ ) . . فأين هو هذا العهد ؟ ( أم تقولون على الله ما لا تعلمون ) . . وهذا هو الواقع . فالاستفهام هنا للتقرير . ولكنه في صورة الاستفهام يحمل كذلك معنى الإنكار والتوبيخ !