تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

{ 56 - 59 } { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

يقول تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بي وصدقوا رسولي { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض ، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى ، حيث كانت العبادة للّه وحده ، فأماكن العبادة ومواضعها ، واسعة ، والمعبود واحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

46

ويدع الجاحدين المكذبين المستهترين في مشهد العذاب يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ليلتفت إلى المؤمنين ، الذين يفتنهم أولئك المكذبون عن دينهم ، ويمنعونهم من عبادة ربهم . . يلتفت إليهم يدعوهم إلى الفرار بدينهم ، والنجاة بعقيدتهم . في نداء حبيب وفي رعاية سابغة ، وفي أسلوب يمس كل أوتار القلوب :

( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة ، فإياي فاعبدون . كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ، وهو السميع العليم . . )

إن خالق هذه القلوب ، الخبير بمداخلها ، العليم بخفاياها ، العارف بما يهجس فيها ، وما يستكن في حناياها . . إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب : يا عبادي الذين آمنوا : يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها ، لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها . بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها : ( يا عبادي ) . .

هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية : ( إن أرضي واسعة ) . .

أنتم عبادي . وهذه أرضي . وهي واسعة . فسيحة تسعكم . فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق ، الذي تفتنون فيه عن دينكم ، ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم ? غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة ، ناجين بدينكم ، أحرارا في عبادتكم ( فإياي فاعبدون ) .

إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة . ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين : بالنداء الحبيب القريب : ( يا عبادي )وبالسعة في الأرض : ( إن أرضي واسعة )وما دامت كلها أرض الله ، فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه .