تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه ، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره ، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها ، وموه عليهما وقال : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ } أي : من جنس الملائكة { أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } كما قال في الآية الأخرى : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

والآن يبدأ إبليس يؤدي دوره الذي تمحض له . .

إن هذا الكائن المتفرد ؛ الذي كرمه الله كل هذا التكريم ؛ والذي أعلن ميلاده في الملأ الأعلى في ذلك الحفل المهيب ؛ والذي أسجد له الملائكة فسجدوا ؛ والذي أخرج بسببه إبليس من الجنة وطرده من الملأ الأعلى . . إن هذا الكائن مزدوج الطبيعة ؛ مستعد للاتجاهين على السواء . وفيه نقط ضعف معينة يقاد منها - ما لم يلتزم بأمر الله فيها - ومن هذه النقط تمكن إصابته ، ويمكن الدخول إليه . . إن له شهوات معينة . . ومن شهواته يمكن أن يقاد !

وراح إبليس يداعب هذه الشهوات :

( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ؛ وقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ، أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) . .

ووسوسة الشيطان لا ندري نحن كيف تتم ؛ لأننا لا ندري كنه الشيطان حتى ندرك كيفيات أفعاله ، وكذا اتصاله بالإنسان وكيفية إغوائه . ولكننا نعلم - بالخبر الصادق وهو وحده المصدر المعتمد عندنا عن هذا الغيب - أن إغواء على الشر يقع في صورة من الصور ؛ وإيحاء بارتكاب المحظور يتم في هيئة من الهيئات . وأن هذا الإيحاء وذلك الإغواء يعتمدان على نقط الضعف الفطرية في الإنسان . وأن هذا الضعف يمكن إتقاؤه بالإيمان والذكر ؛ حتى ما يكون للشيطان سلطان على المؤمن الذاكر ؛ وما يكون لكيده الضعيف حينئذ من تأثير . . وهكذا وسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما . . فهذا كان هدفه . . لقد كانت لهما سوآت ، ولكنها كانت مواراة عنهما لا يريانها - وسنعلم من السياق أنها سوآت حسية جسدية تحتاج إلى تغطية مادية ، فكأنها عوراتهما - ولكنه لم يكشف لهما هدفه بطبيعة الحال ! إنما جاءهما من ناحية رغائبهما العميقة :

( وقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) . .

بذلك داعب رغائب " الإنسان " الكامنة . . إنه يحب أن يكون خالداً لا يموت أو معمرا أجلا طويلاً كالخلود ! ويحب أن يكون له ملك غير محدد بالعمر القصير المحدد . .

وفي قراءة : ( ملكين ) بكسر اللام . وهذه القراءة يعضدها النص الآخر في سورة طه : هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى . . وعلى هذه القراءة يكون الإغراء بالملك الخالد والعمر الخالد وهما أقوى شهوتين في الإنسان بحيث يمكن أن يقال : إن الشهوة الجنسية ذاتها إن هي إلا وسيلة لتحقيق شهوة الخلود بالامتداد في النسل جيلاً بعد جيل - وعلى قراءة( ملكين )بفتح اللام يكون الإغراء بالخلاص من قيود الجسد كالملائكة مع الخلود . . ولكن القراءة الأولى - وإن لم تكن هي المشهورة - أكثر اتفاقاً مع النص القرآني الآخر ، ومع اتجاه الكيد الشيطاني وفق شهوات الإنسان الأصيلة .

/خ25