النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

قوله عز وجل : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الْشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا . . . } أما الوسوسة فهي إخفاء الصوت بالدعاء ، يقال وسوس له إذا أوهمه{[1046]} النصيحة ، ووسوس إليه إذا ألقى إليه المعنى ، وفي ذلك قول رؤبة بن العجاج :

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق *** سراً وقد أوّن تأوين العُقق

فإن قيل : فكيف وسوس لهما وهما في الجنة وهو خارج عنها ؟

فعنه ثلاثة أجوبة هي أقاويل اختلف فيها أهل التأويل :

أحدها : أنه وسوس إليها وهما في الجنة في السماء ، وهو في الأرض ، فوصلت وسوسته بالقوة التي خلقها الله له إلى السماء ثم الجنة ، قاله الحسن .

والثاني : أنه كان في السماء وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك . والثالث : أنه خاطبهما من باب الجنة وهما فيها .

{ . . . وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الْشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } وهذا هو الذي ألقى به{[1047]} من الوسوسة إليهما استغواءً لهما بالترغيب في فضل المنزلة ونعيم الخلود .

فإن قيل : هل تصورا ذلك مع كمال معرفتهما ؟

قيل : إنما كملت معرفتهما بالله تعالى لا بأحكامه .

وفي قول إبليس ذلك قولان :

أحدهما : أنه أوهمهما أن ذلك في حكم الله جائز أن يقلب صورتهما إلى صور الملائكة وأن يخلدهما في الجنة .

والثاني : أنه أوهمهما أنهما يصيران بمنزلة الملائكة في علو المنزلة مع علمهما بأن قلب{[1048]} الصور لا يجوز .


[1046]:سقطت من ك.
[1047]:به من: سقط من ق.
[1048]:سقطت من ق.