لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

نِسْبَتُه ما حَصَلَ منهما إلى الشيطان من أمارات العناية ، كانت الخطيئةُ منهما لكنَّه تعالى قال : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ } .

ويقال التقى آدمُ بإبليس بعد ذلك فقال : يا شَقِيُّ ! وسوستَ إليَّ وفعلتُ ! ، فقال إبليس لآدم . يا آدم ! هَبْ أنِّي إبليسُك فَمَنْ كان إبليسي ! ؟ .

قوله جلّ ذكره : { لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُورِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا } .

وفي ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال : { لِيُبْدِىَ لَهُمَا } فلم يطلع على سوأتهما غيرهما .

قوله جلّ ذكره : { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ } .

تاقت أنفسهما إلى أن يكونا مَلَكين - لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليه السلام - ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما .

ويقال لمَّا طمعا في الخلود وقعا في الخمود ، ووقعا في البلا والخوف ؛ وأصلُ كلَّ محنةٍ الطمعُ .

ويقال إذا كان الطمع في الجنة - وهي دار الخلود - أَوْجَبَ كُلَّ تلك المحن فالطمع في الدنيا - التي هي دار الفناء - متى يسلم صاحبه من ذلك ؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيبِ أنفسهما ، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى ، وهذا أَوْلى لأنه يوجب تنزيه محلِّ النبوة . وقيل ساعاتُ الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة ، فما لبثا في دار الوصلة إلاَّ بعضاً من النهار ؛ دَخَلاَ ضحوةَ النهار وخَرَجَا نِصْفَ النهار ! ويقال إن الفراقَ عينٌ تصيب أهلَ الوصلة ، وفي معناه قال قائلهم :

إنْ تكُنْ عينٌ أصابتك فما *** إلا لأنَّ العين تصيب الحَسَنَا

ويقال حين تمَّتْ لهما أسباب الوصلة ، وَوَطَّأَ نفوسهما على دوام البربة بدا الفراق من مكامنه فأباد من شملهما ما انتظم ، كما قيل :

حين تمَّ الهوى وقلنا سُرِرْنا *** وحَسِبْنا مِنْ الفراق أَمنَّا

بَعَثَ البَيْنُ رُسْلَه في خفاءٍ *** فأبادوا من شملنا ما جمعنا