إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان } أي فعل الوسوسةَ لأجلهما أو تكلم لهما كلاماً خفياً متدارَكاً متكرّراً ، وهي في الأصل الصوتُ الخفي كالهيمنة والخشخشة ومنه وسوَسَ الحَلْيُ وقد سبق بيانُ كيفيةِ وسوستِه في سورة البقرة { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } أي ليُظهر لهما واللامُ للعاقبة أو للغرض على أنه أراد بوسوسته أن يسوءَهما بانكشاف عورتيهما ، ولذلك عبّر عنهما بالسوأة وفيه دليلٌ على أن كشف العورةِ في الخلوة وعند الزوجِ من غير حاجة قبيحٌ مستهجَنٌ في الطباع { مَا وُريَ عَنْهُمَا مِن سَوآتِهِمَا } ما غُطي وسُتر عنهما من عوراتهما وكانا لا يَرَيانها من أنفسهما ولا أحدُهما من الآخر ، وإنما لم تُقلب الواوُ المضمومةُ همزةً في المشورة كما قلبت في أويصِل : تصغير واصل لأن الثانيةَ مدةٌ ، وقرئ سَوَاتِهما بحذف الهمزة وإلقاءِ حركتها على الواو ، وبقلبها واواً وإدغام الواو الساكنة فيها { وَقال } عطف على وسوس بطريق البيان { مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة } أي عن أكلها { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } أي إلا كراهةَ أن تكونا ملكين { أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة ، وليس فيه دلالةٌ على أفضلية الملائكةِ عليهم السلام لما أن من المعلوم أن الحقائقَ لا تنقلب وإنما كانت رغبتُهما في أن يحصُل لهما أوصافُ الملائكةِ من الكمالات الفطريةِ والاستغناء عن الأطعمة والأشربة وذلك بمعزل من الدِلالة على الأفضلية بالمعنى المتنازَعِ فيه .