فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

{ فوسوس لهما الشيطان } الوسوسة الصوت الخفي وحديث النفس يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو ، والوسوسة بالفتح الاسم مثل الزلزلة والزلزال ، ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي وسواس والوسواس اسم الشيطان . ومعنى وسوس له وسوس إليه أو فعل الوسوسة لأجله ، قال الحسن : كان يوسوس في الأرض إلى السماء ثم الجنة بالقوة القوية التي جعلها الله تعالى له .

وقال أبو مسلم الأصبهاني : بل كان آدم وإبليس في الجنة لأن هذه الجنة كانت في الأرض ، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحت ذكره ، والذي يقوله بعض الناس : إن إبليس دخل في جوف الحية وهي دخلت به إلى الجنة فهو قصة ركيكة .

{ ليبدي } أي ليظهر { لهما } اللام للعاقبة كما في قوله { ليكون لهم عدوا وحزنا } وقيل هي لام كي أي فعل ذلك ليتعقبه الإبداء أو لكي يقع الإبداء ، ويصح أن تكون للعلة و الغرض لجواز أن يكون ظهور سؤآتهما زيادة على وقوعهما في المعصية .

{ ما ووري } أي ستر وغطى ، فوعل من المواراة { عنهما من سؤآتهما } سمي الفرج منهما سوأة لأن ظهوره وانكشافه يسوء صاحبه ويحزنه أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستورا عنهما من عورتهما فإنهما كانا لا يريان عوراتها ولا يراها أحدهما من الأخر ، وقيل إنما بدت لهما لا لغيرهما وكان عليهما نور يمنع من رؤيتهما فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما ، وفي الآية دليل على أن كشف العورة من المنكرات المحرمات وأنه لم يزل مستقبحا في الطباع والعقول .

{ وقال } الشيطان لآدم وحواء { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } أي عن الأكل منها { إلا } كراهة { أن تكونا } هكذا قاله البصريون وقال الكوفيون : التقدير لئلا تكونا والاستثناء مفرغ وهو مفعول من أجله { ملكين } من الملائكة تعلمان الخير والشر وتستغنيان عن الغذاء { أو تكونا من الخالدين } في الجنة أو من الذين لا يموتون قال ابن عباس : فإن أخطأ كما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا من الخالدين فلا تموتان فيها أبدا .

قال النحاس : فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن فمنهما هذا ومنها ولا أقول إني ملك ومنها ولا الملائكة المقربون .

وقال ابن فورك : لا حجة في هذه الآية لأنه يحتمل أن يراد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام . وقيل لطول أعمارهما لا لأنهم أفضل منه حتى يلتحق بهم في الفضل فذلك بمعزل عن الدلالة على أفضلية الملائكة عليه ، فليس في الآية دليل عليها وبنحوه قال أبو السعود .

وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل ، وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه فالكلام فيها لا يعنينا .

وقرئ ملكين وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال ولم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين ، وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى : { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } قال أبو عبيدة : هذه حجة بينة لقراءة الكسر ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها .

قال النحاس : هذه قراءة شاذة وأنكر على أبي عبيدة هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش ، قال وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليه السلام أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين ، وإنما معنى وملك لا يبلى المقام في ملك الجنة والخلود فيه .