تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (14)

{ 14-15 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ }

يخبر تعالى عن حكمه وحكمته في عقوبة{[622]}  الأمم المكذبة ، وأن اللّه أرسل عبده ورسوله نوحا عليه الصلاة السلام إلى قومه ، يدعوهم إلى التوحيد وإفراد اللّه بالعبادة ، والنهي عن الأنداد والأصنام ، { فَلَبِثَ فِيهِمْ } نبيا داعيا { أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا } وهو لا يَنِي بدعوتهم ، ولا يفتر في نصحهم ، يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، فلم يرشدوا ولم يهتدوا ، بل استمروا على كفرهم وطغيانهم ، حتى دعا عليهم نبيهم نوح عليه الصلاة والسلام ، مع شدة صبره وحلمه واحتماله ، فقال : { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } { فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ } أي : الماء الذي نزل من السماء بكثرة ، ونبع من الأرض بشدة { وَهُمْ ظَالِمُونَ } مستحقون للعذاب .


[622]:- في ب: عقوبات.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } .

وهذا وعيد من الله تعالى ذكره هؤلاء المشركين من قريش ، القائلين للذين آمنوا : اتبعوا سبيلنا ، ولنحمل خطاياكم ، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا يحزننك يا محمد ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الأذى ، فإني وإن أمليت لهم فأطلت إملاءهم ، فإن مصير أمرهم إلى البوار ، ومصير أمرك وأمر أصحابك إلى العلوّ والظفر بهم ، والنجاة مما يحلّ بهم من العقاب ، كفعلنا ذلك بنوح ، إذ أرسلناه إلى قومه ، فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلى التوحيد ، وفراق الاَلهة والأوثان ، فلم يزدهم ذلك من دعائه إياهم إلى الله من الإقبال إليه ، وقبول ما أتاهم به من النصيحة من عند الله إلاّ فرارا .

وذُكر أنه أُرسل إلى قومه وهو ابن ثلاث مئة وخمسين سنة ، كما :

حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : حدثنا نوح بن قيس ، قال : حدثنا عون بن أبي شداد ، قال : إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاث مئة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاث مئة سنة فأخذهم الطوفان ، يقول تعالى ذكره : فأهلكهم الماء الكثير ، وكلّ ماء كثير فاش طامّ ، فهو عند العرب طوفان ، سيلاً كان أو غيره ، وكذلك الموت إذا كان فاشيا كثيرا ، فهو أيضا عندهم طوفان ومنه قول الراجز :

*** أفْناهُمُ طُوفان مَوْتٍ جارِفِ ***

وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فأخَذَهُمُ الطّوفانُ قال : هو الماء الذي أرسل عليهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : الطوفان : الغرق .

وقوله : وَهُمْ ظالِمُونَ يقول : وهم ظالمون أنفسهم بكفرهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (14)

سيقت هذه القصة واللاتي بعدها شواهد على ما لقي الرسل والذين آمنوا معهم من تكذيب المشركين كما صرح به قوله عقب القصتين { وإن تُكذّبوا فقد كذّب أمم من قبلكم } [ العنكبوت : 18 ] على أحد الوجهين الآتيين .

وابتدئت القصص بقصة أول رسول بعثه الله لأهل الأرض فإن لأوليات الحوادث وقعاً في نفوس المتأمّلين في التاريخ ، وقد تقدم تفصيل قصته في سورة هود .

وزادت هذه الآية أنه لبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة . وظاهر الآية أن هذه مدة رسالته إلى قومه ولا غرض في معرفة عمره يوم بعثه الله إلى قومه ، وفي ذلك اختلاف بين المفسرين ، وفائدة ذكر هذه المدة للدلالة على شدة مصابرته على أذى قومه ودوامه على إبلاغ الدعوة تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم وأوثر تمييز { ألف } ب { سنة } لطلب الخفة بلفظ { سنة } ، وميز { خمسين } بلفظ { عاماً } لئلا يكرر لفظ { سنة } .

والفاء من قوله : { فأخذهم الطوفان } عطف على { أرسلنا } كما عطف عليه { فلبث } وقد طوي ذكر ما ترتب عليه أخذهم بالطوفان وهو استمرار تكذيبهم .

وجملة { وهم ظالمون } حال ، أي أخذهم وهم متلبسون بالظلم ، أي الشرك وتكذيب الرسول ، تلبساً ثابتاً لهم متقرراً وهذا تعريض للمشركين بأنهم سيأخذهم عذاب .