تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الذاريات مكية

{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }

هذا قسم من الله الصادق في قيله ، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع ، ما جعل على أن وعده صدق ، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال ، لواقع لا محالة ، ما له من دافع ، فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه ، وأقام الأدلة والبراهين عليه ، فلم يكذب به المكذبون ، ويعرض عن العمل له العاملون .

والمراد بالذاريات : هي الرياح التي تذروا ، في هبوبها { ذَرْوًا } بلينها ، ولطفها ، ولطفها وقوتها ، وإزعاجها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً * إِنّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنّ الدّينَ لَوَاقِعٌ } .

يقول تعالى ذكره وَالذّارِياتِ ذَرْوا يقول : والرياح التي تذرو التراب ذروا ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هنّاد بن السّريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عُرعرة ، قال : قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه ، فقال : ما الذاريات ذروا ، فقال : هي الريح .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سِماك ، قال : سمعت خالد بن عرعرة ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه وقد خرج إلى الرحْبة ، وعليه بُرْدان ، فقالوا : لو أن رجلاً سأل وسمع القوم ، قال : فقام ابن الكوّاء ، فقال : ما الذاريات ذَرْوا ؟ فقال : هي الرياح .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، قال : حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي ، قال : حدثنا أبو الحويرث ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، أخبره ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه يخطب الناس ، فقام عبد الله بن الكوّاء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : هي الرياح .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : سُئل عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، عن الذاريات ذَرْوا ، فقال : الريح .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطّفيل ، عن عليّ وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : الريح .

قال : مهران ، حُدّثنا عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، قال : سألت عليا رضي الله عنه عن وَالذّارِياتِ ذَرْوا فقال : الريح .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، قال : سمعت أبا الطفيل ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه عنه يقول : لا تسألوني عن كتاب ناطق ، ولا سنة ماضية ، إلا حدّثتكم ، فسأله ابن الكوّاء عن الذاريات ، فقال : هي الرياح .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن عليّ بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكوّاء عليا رضي الله عنه ، فقال : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : هي الريح .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الله بن رفيع ، عن أبي الطفيل ، قال : قال ابن الكوّاء لعلي رضي الله عنه : ما الذاريات ذَرْوا ؟ قال : الريح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يحيى بن أيوب ، عن أبي صخرة ، عن أبي معاوية البجليّ ، عن أبي الصهباء البكريّ ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : وهو على المنبر لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته ، فقام ابن الكوّاء ، وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغٌ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال عليّ : الرياح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن رجلاً سأل عليا عن الذاريات ، فقال : هي الرياح .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل ، قال سأل ابن الكوّاء عليا ، فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال : الرياح .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالذّارِياتِ ذَرْوا قال : كان ابن عباس يقول : هي الرياح .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَالذّارِياتِ قال : الرياح .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

تسمى هذه السورة { والذاريات } بإثبات الواو تسمية لها بحكاية الكلمتين الواقعتين في أولها . وبهذا عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه وابن عطية في تفسيره والكواشي في تلخيص التفسير والقرطبي .

وتسمى أيضا { سورة الذاريات } بدون الواو اقتصارا على الكلمة التي لم تقع في غيرها من سور القرآن . وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وجمهور المفسرين .

وكذلك هي في المصاحف التي وقفنا عليها من مشرقية ومغربية قديمة .

ووجه التسمية أن هذه الكلمة لم تقع بهذه الصيغة في غيرها من سور القرآن .

وهي مكية بالاتفاق .

وقد عدت السورة السادسة والستين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد . نزلت بعد سورة الأحقاف وقبل سورة الغاشية .

واتفق أهل عد الآيات على أن آيها ستون آية .

أغراض هذه السورة

احتوت على تحقيق وقوع البعث والجزاء .

وإبطال مزاعم المكذبين به وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورميهم بأنهم يقولون بغير تثبت .

ووعيدهم بعذاب يفتنهم .

ووعد المؤمنين بنعيم الخلد وذكر ما استحقوا به تلك الدرجة من الإيمان والإحسان .

ثم الاستدلال على وحدانية الله والاستدلال على إمكان البعث وعلى أنه واقع لا محالة بما في بعض المخلوقات التي يشاهدونها ويحسون بها دالة على سعة قدرة الله تعالى وحكمته على ما هو أعظم من إعادة خلق الإنسان بعد فنائه وعلى أنه لم يخلق إلا لجزائه .

والتعريض بالإنذار بما حاق بالأمم التي كذبت رسل الله ، وبيان الشبه التام بينهم وبين أولئك .

وتلقين هؤلاء المكذبين الرجوع إلى الله وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الشرك . ومعذرة الرسول صلى الله عليه وسلم من تبعة إعراضهم والتسجيل عليهم بكفران نعمة الخلق والرزق .

ووعيدهم على ذلك بمثل ما حل بأمثالهم .

القَسَم المفتتح به مراد منه تحقيق المقسم عليه وتأكيد وقوعه وقد أقسم الله بعظيم من مخلوقاته وهو في المعنى قسم بقدرته وحكمته ومتضمن تشريف تلك المخلوقات بما في أحوالها من نعم ودلالةٍ على الهدى والصلاح ، وفي ضمن ذلك تذكير بنعمة الله فيما أوجد فيها .

والمُقْسَم بها الصفات تقتضي موصفاتها ، فآل إلى القَسَم بالموصوفات لأجل تلك الصفات العظيمة . وفي ذلك إيجاز دقيق ، على أن في طي ذكر الموصوفات توفيراً لما تؤذن به الصفات من موصوفات صالحة بها لتذهب أفهام السامعين في تقديرها كل مذهب ممكن .

وعطف تلك الصفات بالفاء يقتضي تناسبها وتجانسها ، فيجوز أن تكون صفات لجنس واحد وهو الغالب في عطف الصفات بالفاء ، كقول ابن زيَّابة{[391]} :

يا لهف زَيابَةَ للحارث{[392]} الصَ *** ـابح فالغانم فالآيب{[393]}

ويجوز أن تكون مختلفة الموصوفات إلا أن موصوفاتها متقاربة متجانسة كقول امرىء القيس :

بسِقط اللِوى بين الدَّخول فَحَوْمَل *** فتوضح فالمقراة . . . . . . . . . .

وقول لبيد :

بمشارق الجبلين أو بمُحجر *** فتَضَّمنتْها فَردة فرُخَامها

فصَوائق إن أيمنت . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت

ويكثر ذلك في عطف البقاع المتجاورة ، وقد تقدم ذلك في سورة الصافات .

واختلف أيمة السلف في محمل هذه الأوصاف وموصوفاتها . وأشهر ما رُوي عنهم في ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد أن { الذاريات } الرياح لأنها تذرو التراب ، و { الحاملات وِقْراً } : السحاب ، و { الجاريات } : السفن ، و { المُقسِّمات أمراً } الملائكة ، وهو يقتضي اختلاف الأجناس المقسم بها .

وتأويله أن كل معطوففٍ عليه يُسبب ذكر المعطوف لالتقائهما في الجامع الخيالي ، فالرياح تذكِّر بالسحاب ، وحمل السحاب وِقْرَ الماء يذكر بحمل السفن ، والكل يذكر بالملائكة . ومن المفسرين من جعل هذه الصفات الأربع وصفاً للرياح قاله في « الكشاف » ونقل بعضه عن الحسن واستحسنه الفخر ، وهو الأنسب لعطف الصفات بالفاء .

فالأحسن أن يُحمل الذرو على نشر قطع السحاب نَشراً يشبه الذرو . وحقيقة الذرو رَمي أشياء مجتمعة تُرمى في الهواء لتقع على الأرض مثل الحَب عند الزرع ومثل الصوف وأصله ذرو الرياح التراب فشبه به دفع الريح قطع السحاب حتى تجتمع فتصير سحاباً كاملاً فالذاريات تنشر السحاب ابتداء كما قال تعالى : { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء } [ الروم : 48 ] . والذرو وإن كان من صفة الرياح فإنّ كون المذرو سحاباً يؤول إلى أنه من أحوال السحاب وقيل ذروها التراب وذلك قبل نَشرها السحب وهو مقدمة لنشر السحاب .

ونُصب { ذَرْواً } على المفعول المطلق لإرادة تفخيمه بالتنوين ، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى المفعول ، أي المَذْرو ، ويكون نصبه على المفعول به .


[391]:- يريد: امه واسمها زيابة.
[392]:- هو الحارث بن همام الشيباني، وهو شاعر قديم جاهلي وكان بينه وبين ابن زيابة عداوة وهذا البيت من أبيات هي جواب عن هجاء هجاه به الحارث
[393]:- تهكم بالحارث.