{ 84 - 95 } { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا }
إلى آخر القصة{[435]} أي : { و ْ } أرسلنا { إِلَى مَدْيَنَ ْ } القبيلة المعروفة ، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين ، { أَخَاهُمْْ } في النسب { شُعَيْبًا ْ } لأنهم يعرفونه ، وليتمكنوا من الأخذ عنه .
ف { قَالَ ْ } لهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ْ } أي : أخلصوا له العبادة ، فإنهم كانوا يشركون به ، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان ، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال : { وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ْ } بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط .
{ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ } أي : بنعمة كثيرة ، وصحة ، وكثرة أموال وبنين ، فاشكروا الله على ما أعطاكم ، ولا تكفروا بنعمة الله ، فيزيلها عنكم .
{ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ْ } أي : عذابا يحيط بكم ، ولا يبقي منكم باقية .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّيَ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مّحِيطٍ } .
يقول تعالى ذكره : وَ أرسلنا إلى ولد مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْبا ، فلما أتاهم ، قالَ : { يا قَوْمِ اعْبُدوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرُهُ } . يقول : أطيعوه ، وتَذَللّوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ، ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غَيْرُهُ . يقول : ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره . { وَلا تَنْقصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ } . يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ، إنّي أرَاكمْ بِخَيْرٍ .
واختلف أهل التأويل في الخير الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين : إنه يراهم به ؛ فقال بعضهم : كان ذلك رُخْص السعر وحذرهم غَلاءه . ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا عبد الله بن داود الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، عن الذيال بن عمرو ، عن ابن عباس : إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ ، قال : رُخْص السعر . { وإنّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } ، قال : غلاء سعر .
حدثني أحمد بن عليّ النصري ، قال : ثني عبد الصمد بن عبد الوراث ، قال : حدثنا صالح بن رستم ، عن الحسن ، وذكر قوم شعيب ، قال : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : رُخْص السعر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبي عامر الخراز ، عن الحسن ، في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : الغنى ورُخْص السعر .
وقال آخرون : عنى بذلك : إني أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْر } ، قال : يعني : خير الدنيا وزينتها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } : أبصر عليهم قِشْرا من قِشْر الدنيا وزينتها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : في دنياكم ، كما قال الله تعالى : إنْ تَرَكَ خَيْرا سماه خيرا ؛ لأن الناس يسمون الماء خيرا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه ، وذلك قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، يعني : بخير الدنيا . وقد يدخل في خير الدنيا : المال وزينة الحياة الدنيا ورخص السعر ، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك : بعض خيرات الدنيا دون بعض ، فذلك على كلّ معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها . وإنما قال ذلك شعيب ، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثيرة أموالهم ، فقال لهم : لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم ، فقد وسّع الله عليكم رزقكم ، وَإنّي أخافُ عَليكُم بمخالفتكم أمر الله وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم عذابَ يومٍ مُحيطٍ . يقول : أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه . فجعل المحيط نعتا لليوم ، وهو من نعت العذاب ، إذ كان مفهوما معناه ، وكان العذاب في اليوم ، فصار كقولهم جُبّتك محترقة .
التقدير : { وإلى مدين } أرسلنا { أخاهم شعيباً } ، واختلف في لفظة { مدين } فقيل : هي بقعة ، فالتقدير على هذا : وإلى أهل مدين - كما قال : { واسأل القرية }{[6466]} - وقيل كان هذا القطر في ناحية الشام ، وقيل { مدين } اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه ، و { مدين } لا ينصرف في الوجهين ، حكى النقاش أن { مدين } هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن { شعيباً } عربي ، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط ، ودعاء «شعيب » إلى «عبادة الله » يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان ، وذلك بين من قولهم فيما بعد ، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم ، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر ، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة ، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام ، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافياً ويعطوا ناقصاً في وزنهم وكيلهم ، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك ، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضاً .
وقوله { بخير } قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار ، و { عذاب اليوم المحيط } هو حلول الغلاء المهلك . وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق »{[6467]} وقيل لهم قوله : { بخير } عام في جميع نعم الله تعالى ، و { عذاب اليوم } هو الهلاك الذي حل بهم في آخر ، وجميع ما قيل في لفظ «خير » منحصر فيما قلناه .
ووصف «اليوم » ب «الإحاطة » وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف «اليوم » ب «الإحاطة » على تقدير : محيط شره . ونحو هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.