تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

ثم أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله - مما تقدم وصفه - رغبوا عن ذلك وقالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } فاكتفوا بتقليد الآباء ، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء ، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس ، وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق واهية ، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق ، ورغبتهم عنه ، وعدم إنصافهم ، فلو هدوا لرشدهم ، وحسن قصدهم ، لكان الحق هو القصد ، ومن جعل الحق قصده ، ووازن بينه وبين غيره ، تبين له الحق قطعا ، واتبعه إن كان منصفا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

وفي هذه الآية وجهان من التأويل : أحدهما أن تكون الهاء والميم من قوله : وَإذَا قيلَ لَهمْ عائدة على «مِن » في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتّخذ مِنْ دَونِ الله أنْدَادا فيكون معنى الكلام : ومن الناس مَن يتخذ من دون الله أندادا ، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .

والاَخر أن تكون الهاء والميم اللتان في قوله : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ من ذكر «الناس » الذين في قوله : يا أيّها النّاسُ كلُوا مِمَا في الأرْضِ حَلالاً طَيّبا ، فيكون ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب كما في قوله تعالى ذكره : حّتى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيّبَةٍ . وأشبه عندي وأولى بالآية أن تكون الهاء والميم في قوله لهم من ذكر «الناس » ، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب ، لأن ذلك عقيب قوله : يا أيّها النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الأرْضِ فلأن يكون خبرا عنهم أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم من يتخذ من دون الله أندادا مع ما بينهما من الاَيات وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها ، وأنها نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك إذْ دعوا إلى الإسلام . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذّرهم عقاب الله ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله من قولهما : وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعَوا ما أنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتّبِعُ ما ألفْيَنْا عَلَيه آباءَنا أولَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلونَ شَيْئا وَلا يَهْتَدون .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس ، مثله ، إلا أنه قال : فقال له أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف .

وأما تأويل قوله : اتّبِعُوا ما أنْزَلَ اللّهَ فإنه : اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله ، فأحلوا حلاله وحرّموا حرامه ، واجعلوه لكم إماما تأتمّون به ، وقائدا تتبعون أحكامه . وقوله : ألفْيَنْا عَلَيْه آباءَنا يعني وجدنا ، كما قال الشاعر :

فألْفَيْتُهُ غيرَ مُسْتَعْتِبٍ وَلا ذَاكرِ اللّهَ إلاّ قَلِيلا

يعني وجدته . وكما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة : قالُوا بَلْ نَتّبِعُ ما ألْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أي ما وجدنا عليه آباءنا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

فمعنى الآية : وإذا قيل لهؤلاء الكفار كلوا مما أحل الله لكم ودعوا خطوات الشيطان وطريقه واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه ، استكبروا عن الإذعان للحق ، وقالوا : بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه من تحليل ما كانوا يحلون وتحريم ما كانوا يحرّمون قال الله تعالى ذكره : أوَلَوْ كانَ آباؤهُمْ يعني آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم لا يعقلون شيئا من دين الله وفرائضه وأمره ونهيه ، فيُتّبعون على ما سلكوا من الطريق ويؤتم بهم في أفعالهم ولا يهتدون لرشد فيهتدي بهم غيرهم ، ويقتدي بهم من طلب الدين ، وأراد الحق والصواب ؟

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار : فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ولا هم مصيبون حقا ولا مدركون رشدا ؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه ، فأما الجاهل فلا يتبعه فيما هو به جاهل إلا من لا عقل له ولا تمييز .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( 170 )

وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم } يعني كفار العرب ، وقال ابن عباس : نزلت في اليهود ، وقال الطبري : الضمير في { لهم } عائد على الناس من قوله { يا أيها الناس كلوا } ، وقيل : هو عائد على { من } في قوله :{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً }( {[1541]} ) [ البقرة : 165 ] ، و { اتّبعوا } معناه بالعمل والقبول ، و { ما أنزل الله } هو القرآن والشرع ، و { ألفينا } معناه وجدنا ، قال الشاعر( {[1542]} ) : [ المتقارب ]

فَأَلْفَيْتَهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ . . . وَلاَ ذاكر اللَّهِ إلاّ قَليلا

والألف في قوله { أوَلو } للاستفهام ، والواو لعطف جملة كلام على جملة ، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون ، فقرروا على التزامهم هذا إذ هذه حال آبائهم .

وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التقليد ، وأجمعت الأمة على إبطاله في العقائد( {[1543]} ) .


[1541]:- والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم دعاهم من الكفر إلى الإيمان، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله مرة بعد مرة فكان من آكد متمسكاتهم التّأسي بالآباء وذلك من اتباع الأهواء.
[1542]:- هو أبو الأسود الدؤلي كما في الكتاب لسيبويه مستشهدا به على حذف التنوين من (ذاكر) لالتقاء الساكنين.
[1543]:- من الناس من ذكر الخلاف في ذلك كالإمام ابن العربي المعافري.