تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60)

{ 60 } { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

هذا من لطفه بعباده ، ونعمته العظيمة ، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، وأمرهم بدعائه ، دعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، ووعدهم أن يستجيب لهم ، وتوعد من استكبر عنها فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أي : ذليلين حقيرين ، يجتمع عليهم العذاب والإهانة ، جزاء على استكبارهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60)

وقوله : وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِيبْ لَكُمْ يقول تعالى ذكره : ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني : يقول : اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دون الأوثان والأصنام وغير ذلك أسْتَجِبْ لَكُمْ يقول : أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ يقول : وحّدوني أغفر لكم .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن الأعمش ، عن زرّ ، عن يُسَيْع الحضرمي ، عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ » . وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، والأعمش عن زرّ ، عن يُسَيْع الحضرمي ، عن النعمان بن بشير ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ ، وقال رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ . . . الاَية » .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن زرّ ، عن يُسَيْع قال أبو موسى : هكذا قال غُندَر ، عن سعيد ، عن منصور ، عن زرّ ، عن يُسَيْع ، عن النعمان بن بشير قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ » وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن زرّ ، عن يُسَيْع عن النعمان بن بشير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا يوسف بن العرف الباهلي ، عن الحسن بن أبي جعفر ، عن محمد بن حجادة ، عن يسيع الحضرمي ، عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ عِبادَتِي دُعائي » ثُم تلا هذه الاَية : وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال : «عَنْ دُعائي » .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا عمارة ، عن ثابت ، قال : قالت لأنس : يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة ؟ قال : لا ، بل هو العبادة كلها .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أخبرنا منصور ، عن زر ، عن يسيع الحضرمي ، عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدّعاءُ هُوَ العبادَةُ ، ثم قرأ هذه الاَية وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، قال : قيل لسفيان : ادع الله ، قال : إن ترك الذنوب هو الدعاء .

وقوله : إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي يقول : إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة ، وإفراد الألوهة لي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ داخِرِينَ بمعنى : صاغرين . وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى الدخر بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقد قيل : إن معنى قوله إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي : إن الذين يستكبرون عن دعائي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال : عن دعائي .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ داخِرِينَ قال : صاغرين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60)

وقوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } آية تفضل ونعمة ووعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإجابة عند الدعاء ، وهذا الوعد مقيد بشرط المشيئة لمن شاء تعالى ، لا أن الاستجابة عليه حتم لكل داع ، لا سيما لمن تعدى في دعائه ، فقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الذي قال : اللهم أعطني القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة{[10014]} . وقالت فرقة : معنى : { ادعوني } و { استجب } ، معناه : بالثواب والنصر ، ويدل على هذا التأويل قوله : { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } ويحتج له لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الدعاء هو العبادة » وقرأ هذه الآية{[10015]} . وقال ابن عباس : المعنى : وحدوني أغفر لكم . وقيل للثوري : ادع الله ، فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء .

وقرأ ابن كثير وأبو جعفر : «سيُدخَلون » بضم الياء وفتح الخاء . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابن عامر والحسن وشيبة : بفتح الياء وضم الخاء ، واختلف عن أبي عمرو وعن عاصم . والداخر : هو الصاغر الذليل .


[10014]:أخرجه أبو داود في الطهارة، وابن ماجه في الدعاء، وأحمد في مسنده (4- 87)، عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنا له يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض من الجنة إذا دخلتها عن يميني، قال: فقال له: يا بني سل الله الجنة وتعوذ من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون بعدي قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور).
[10015]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء تلو العبادة)، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}- قال: عن دعائي- {سيدخلون جهنم داخرين}، هل تدرون ما عبادة الله؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هو إخلاص الله مما سواه (الدر المنثور). هذا وقد روي عن عبادة بن الصامت أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء، كان الله تعالى إذا بعث النبي قال: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: {ادعوني أستجب لكم}، وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس). ذكره الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول).