ثم لما بين سبحانه أن قيام الساعة حق وليس بمرتاب فيها . ولا شبهة في مجيئها ، أرشد عباده إلى ما هو الوسيلة إلى السعادة في دار الخلود فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكي عنه ما أمره بإبلاغه وهو : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قال أكثر المفسرين : المعنى وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم ، وأغفر لكم ، وأجبكم وأثبتكم . وقيل : هذا الوعد بالإجابة مقيد بالمشيئة ، أي استجب لكم إن شئت ، كقوله : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه } وقيل : المراد بالدعاء السؤال بجلب النفع ودفع الضر ، قيل : الأول أولى لأن الدعاء في أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة .
قلت : بل الثاني أولى ، لأن معنى الدعاء حقيقة وشرعا هو الطلب ، فإن استعمل في غير ذلك فهو مجاز ، على أن الدعاء في نفسه باعتبار معناه الحقيقي هو عبادة ، بل مخ العبادة ، كما ورد بذلك الحديث الصحيح ، فالله سبحانه قد أمر عباده بدعائه ، ووعدهم بالإجابة ، ووعده الحق ، وما يبدل القول لديه ، ولا يخلف الميعاد .
وعن ابن عباس قال : وحدوني أغفر لكم ، وقال جرير بن عبد الله اعبدوني ، وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدعاء الاستغفار ) أخرجه ابن مردويه ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع الله يغضب عليه ، أخرجه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة . وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ، ومما لم ينزل ، فعليكم بالدعاء ) ، أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني .
وعن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدعاء مخ العبادة ) {[1460]} أخرجه الترمذي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وعن ابن عباس قال أفضل العبادة الدعاء ، وقرأ هذه الآية ، وأخرج البخاري في الأدب عن عائشة قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم ( أي العبادة أفضل ؟ فقال دعاء المرء لنفسه ) . ثم صرح سبحانه بأن هذا الدعاء باعتبار معناه الحقيقي وهو الطلب هو من عبادته فقال :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَْ } قرأ الجمهور بفتح الياء وضم الخاء وقرئ بالعكس مبينا للمفعول { دَاخِرِينَ } أي ذليلين صاغرين ، وهذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله ، وفيه لطف بعباده عظيم ، وإحسان إليهم جليل حيث توعد من ترك طلب الخير منه واستدفاع الشر به بهذا الوعيد البالغ ، وعاقبه بهذه العقوبة العظيمة ، فيا عباد الله وجهوا رغباتكم ، وعولوا في كل طلباتكم على من أمركم بتوجيهها إليه ، وأرشدكم إلى التعويل عليه ، وكفل لكم الإجابة بإعطاء الطلبة فهو الكريم المطلق ، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، ويغضب على من لم يطلب من فضله العظيم ، وملكه الواسع ما يحتاجه من أمور الدنيا والدين .
وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة ) ثم قرأ : وقال ربكم ادعوني إلى قوله داخرين ، أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح ، والبخاري في الأدب ، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب ، وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وسعيد بن منصور والطبراني .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.