تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبينا له عظمة القرآن : { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } أي : كتاب جليل حوى كل ما يحتاج إليه العباد ، وجميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، محكما مفصلا { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } أي : ضيق وشك واشتباه ، بل لتعلم أنه تنزيل من حكيم حميد { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } وأنه أصدق الكلام فلينشرح له صدرك ، ولتطمئن به نفسك ، ولتصدع بأوامره ونواهيه ، ولا تخش لائما ومعارضا .

{ لِتُنْذِرَ بِهِ } الخلق ، فتعظهم وتذكرهم ، فتقوم الحجة على المعاندين .

{ و } ليكون { ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } كما قال تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } يتذكرون به الصراط المستقيم ، وأعماله الظاهرة والباطنة ، وما يحول بين العبد ، وبين سلوكه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره هذا القرآن يا محمد في كتاب أنزله الله إليك . ورفع «الكتاب » بتأويل : هذا كتاب .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ منه . يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فلا يضق صدرك يا محمد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره به ، وإبلاغه من أمرتك بابلاغه إياه ، ولا تشكّ في أنه من عندي ، واصبر بالمضي لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحَمّلك من عبء أثقال النبوة ، كما صبر أولو العزم من الرسل ، فإن الله معك . والحرج : هو الضيق في كلام العرب ، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله : ضَيّقا حَرَجا بما أغنى عن إعادته . وقال أهل التأويل في ذلك ، ما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال : لا تكن في شك منه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : فَلا يَكُنِ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال : شكّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ : شكّ منه .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مثله .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السّديّ : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال : أما الحرج : فشكّ .

حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد المدني ، قال : سمعت مجاهدا ، في قوله : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال : شكّ من القرآن .

قال أبو جعفر : وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل هو معنى ما قلنا في الحرج لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به وقلة الإتساع لتوجيهه وجْهته التي هي وجهته الصحيحة . وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضيق ، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب ، كما قد بيناه قبل .

القول في تأويل قوله تعالى : لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى للْمُؤمِنِينَ .

يعني بذلك تعالى ذكره : هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد لتنذر به من أمرتك بإنذاره ، وذِكْرى للمُؤْمِنِينَ وهو من المؤخّر الذي معناه التقديم ، ومعناه : كتاب أنزل ليك لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين ، فلا يكن في صدرك حرج منه . وإذا كان معناه كان موضع قوله : وَذِكْرَى نصبا بمعنى : أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به ، وتذكّر به المؤمنين . ولو قيل : معنى ذلك : هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه أن تنذر به وتذكّر به المؤمنين ، كان قولاً غير مدفوعة صحته . وإذا وجه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله : وَذِكْرَى من الإعراب وجهان : أحدهما النصب بالردّ على موضع لتنذر به ، والاَخر الرفع عطفا على الكتاب ، كأنه قيل : المص كتاب أنزل إليك وذكرى للمؤمنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

وقوله تعالى : { كتاب أنزل إليك } الآية ، قال الفراء وغيره { كتاب } رفع على الخبر للحروف ، كأنه قال هذه الحروف كتاب أنزل إليك ، ورد الزجّاج على هذا القول بما لا طائل فيه ، وقال غيره : { كتاب } رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب و { أنزل إليك } في موضع الصفة ل { كتاب } ، ثم نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرم أو يستصحب من هذا الكتاب أو بسبب من أسبابه حرجاً ، ولفظ النهي هو للحرج ومعناه للنبي عليه السلام ، وأصل الحرج الضيق ، ومنه الحرجة الشجر الملتف الذي قد تضايق ، و «الحرج » ها هنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر ، وبحسب سبب الحرج يفسر الحرج ها هنا ، وتفسيره بالشك قلق ، والضمير في { منه } عائد على الكتاب أي بسبب من أسبابه ، و «من » ها هنا لابتداء الغاية ، وقيل يعود على التبليغ الذي يتضمنه معنى الآية ، وقيل على الابتداء .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص كله لا وجه له إذ اللفظ يعم الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله وذلك يستغرق التبليغ والإنذار وتعرض المشركين وتكذيب المكذبين وغير ذلك .

وقوله تعالى : { فلا يكن في صدرك حرج منه } اعتراض في أثناء الكلام ، ولذلك قال بعض الناس إن فيه تقديماً وتأخيراً ، وقوله { لتنذر } اللام متعلقة ب { أنزل } . وقوله { وذكرى } معناه تذكرة وإرشاد ، و { ذكرى } في موضع رفع عطفاً على قوله { كتاب } . فالتقدير هذه الحروف كتاب وذكرى ، وقيل رفعه على جهة العطف على صفة الكتاب فالتقدير هذه الحروف كتاب منزل إليك وذكرى ، فهي عطف على ( منزل ) داخلة في صفة الكتاب ، وقيل { ذكرى } في موضع نصب بفعل مضمر تقديره لتنذر به وتذكر ذكرى للمؤمنين ، وقيل نصبها على المصدر وقيل { ذكرى } في موضع خفض عطفاً على قوله { لتنذر } أي لإنذارك وذكرى .