غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

1

ثم إن جعلنا هذه الحروف بدل جملة فلا محل لها من الإعراب ، وإن كانت اسماً للسورة جاز أن يكون { المص } مبتدأ و{ كتاب } يعني به السورة خبره والجملة بعده صفة له ، وجاز أن يكون { المص } خبر مبتدأ محذوف وكذا { كتاب } أي هذه المص هو كتاب أنزل إليك . والدليل على أنه منزل من الله تعالى هو أنه ما تلمذ لأستاذ ولا تعلم من معلم ولا طالع كتاباً ولم يخالط أهل الأخبار والأشعار وقد مضى على ذلك أربعون سنة ثم ظهر عليه هذا الكتاب المشتمل على علوم الأولين والآخرين فلن تبقى شبهة في أنه مستفاد بطريق الوحي . القائلون بخلق القرآن زعموا أن الإنزال يقتضي الانتقال من حال إلى حال وهذا من سمات المحدثات . وأجيب بأن الموصوف بالإنزال والتنزيل على سبيل المجاز هو الحروف والألفاظ ولا نزاع في كونها محدثة مخلوقة . فإن قيل : الحروف أعراض غير باقية بدليل أنه لا يمكن الإتيان بها إلا على سبيل التوالي وعدم الاستقرار فكيف يعقل وصفها بالنزول ؟ أجيب بأنه تعالى أحدث هذه الرقوم في اللوح المحفوظ ثم إن الملك طالع تلك النقوش وحفظها ونزل فعلمها محمداً صلى الله عليه وآله . ثم قال : { فلا يكن في صدرك حرج } أي شك . وسمي الشك حرجاً لأن الشاك ضيق الصدر حرج كما أن المتيقن منفسح الصدر منشرح ، ومعنى { منه } أي من شأن الكتاب أي لا تشك في أنه منزل من عند الله أو من تبليغه أي لا يضق صدرك من الأداء وتوجه النهي إلى الحرج كقولهم لا أرينك هاهنا والمراد نهيه عن الكون بحضرته فإن ذلك سبب رؤيته ومثله قوله تعالى

{ وليجدوا فيكم غلظة } [ التوبة : 123 ] ظاهره أمر للمشركين وإنه في الحقيقة أمر للمؤمنين بأن يغلظوا على المشركين . وفي متعلق قوله { لتنذر } أقوال . قال الفراء : إنه متعلق ب { أنزل } وفي الكلام تقديم وتأخير أي أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج . وفائدة التقديم والتأخير أن الإقدام على الإنذار والتبليغ لا يتم ولا يكمل إلا عند زوال الحرج عن الصدر . وقال ابن الأنباري : إنه متعلق بالنهي واللام بمعنى كي والتقدير : فلا يكن في صدرك شك كي تقدر على إنذار غيرك لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار لأن صاحب اليقين جسور لتوكله على ربه وثقته بعصمته . وقال صاحب النظم : اللام بمعنى «أن » كقوله : { يريدون أن يطفئوا } [ التوبة : 32 ] وفي موضع آخر { ليطفئوا } [ الصف : 8 ] والتقدير لا يضق صدرك ولا تضعف عن أن تنذر به . وقيل : إن تقدير الكلام هذا الكتاب أنزله الله عليك وإذا علمت أنه تنزيل الله تعالى فاعلم أن عناية الله معك وإذا علمت هذا فلا يكن في صدرك حرج لأن من كان الله له حافظاً وناصراً لم يخف أحداً ، وإذا زال الخوف والضيق عن القلب فاشتغل بالإبلاغ والإنذار اشتغال الرجال الأبطال ولا تبال بأحد من أهل الضلال والإبطال . ثم قال : { وذكرى للمؤمنين } قال ابن عباس : يريد مواعظ للمصدقين . وقال الزجاج : هو اسم في موضع المصدر . قال الليث : الذكرى اسم للتذكرة . وقال صاحب الكشاف : محل ذكرى يحتمل النصب بإضمار فعلها كأنه قيل لتنذر به وتذكر تذكيراً ، والرفع عطفاً على كتاب ، أو بأنه خبر مبتدأ محذوف والجر للعطف على محل { أن تنذر } أي للإنذار وللذكرى . وإنما لم نقل على محل لتنذر لأن المفعول له يجب أن يكون فاعله وفاعل الفعل المعلل واحداً ولو صح ذلك لكان محله النصب لا الجر . وخص الذكرى بالمؤمنين كقوله :

{ هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] والتحقيق فيه أن النفوس البشرية منها بليدة بعيدة عن عالم الغيب غريقة في بحر اللذات الجسمانية فتحتاج إلى زاجر قويّ ، ومنها مشرقة بالأنوار الإلهية مستعدة للانجذاب إلى عالم القدس إلا أنها غشيتها غواش من عالم الجسم فعرض لها نوع ذهول وغفلة ، فالصنف الأول يحتاج إلى إنذار وتخويف وأما الصنف الثاني فإذا سمعت دعوة الأنبياء واتصل بها أنوار أرواح رسل الله تعالى تذكرت معدنها وأبصرت مركزها واشتاقت إلى ما هنالك من الروح والراحة والريحان فلم تحتج إلا إلى تذكرة وتنبيه ، فثبت أنه سبحانه أنزل هذا الكتاب على رسوله ليكون إنذاراً في حق طائفة وذكرى في شأن طائفة .

/خ10