الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

1

فيه مسألتان :

الأولى - قوله تعالى : " حرج " أي ضيق ، أي لا يضيق صدرك بالإبلاغ ؛ لأنه روي عنه عليه السلام أنه قال : ( إني أخاف أن يثلغوا{[6990]} رأسي فيدعوه خبزة ) الحديث . خرجه مسلم . قال الكيا : فظاهره النهي ، ومعناه نفي الحرج عنه ، أي لا يضيق صدرك ألا يؤمنوا به ، فإنما عليك البلاغ ، وليس عليك سوى الإنذار به من شيء من إيمانهم أو كفرهم ، ومثله قوله تعالى : " فلعلك باخع نفسك{[6991]} " [ الكهف : 6 ] الآية . وقال : " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين{[6992]} " [ الشعراء : 3 ] . ومذهب مجاهد وقتادة أن الحرج هنا الشك ، وليس هذا شك الكفر إنما هو شك الضيق . وكذلك قوله تعالى : " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون{[6993]} " [ الحجر : 97 ] . وقيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . وفيه بعد . والهاء في " منه " للقرآن . وقيل : للإنذار ، أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه . فالكلام فيه تقديم وتأخير . وقيل للتكذيب الذي يعطيه قوة الكلام . أي فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيب المكذبين له .

الثانية - قوله تعالى : " وذكرى " يجوز أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض . فالرفع من وجهين ، قال البصريون : هي رفع على إضمار مبتدأ . وقال الكسائي : عطف على " كتاب " والنصب من وجهين ، على المصدر ، أي وذكر به ذكرى ، قاله البصريون . وقال الكسائي : عطف على الهاء في " أنزلناه{[6994]} " . والخفض حملا على موضع " لتنذر به " والإنذار للكافرين ، والذكرى للمؤمنين ؛ لأنهم المنتفعون به .


[6990]:كذا في الأصول: والذي في صحيح مسلم "إذا يثلغوا رأسي" راجع صحيح مسلم. كتاب الجنة باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار، والثلغ: الشدخ وقيل: هو ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى ينشدخ وفي النهاية: إذن يثلغوا رأسي كما تثلغ الخبزة.
[6991]:راجع ج 10 ص 353 وص 63
[6992]:راجع ج 13 ص 89.
[6993]:راجع ج 10 ص 353 وص 63
[6994]:كذا في الأصول.