فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

{ كتاب أُنزِلَ إِلَيْكَ } أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا «المص » أي المسمى به ، وأما إذا كانت هذه الفواتح مسرودة على نمط التعديد فلا محل له ، وكتاب خبر المبتدأ على الوجه الأوّل ، أو خبر مبتدأ محذوف على الثاني ، أي هو كتاب . قال الكسائي : أي هذا كتاب ، و{ أنزل إليك } صفة له . { فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } الحرج : الضيق ، أي لا يكن في صدرك ضيق منه ، من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك ، فإن الله حافظك وناصرك . وقيل : المراد لا يضق صدرك حيث لم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } ، وقال مجاهد وقتادة : الحرج هنا الشك ، لأن الشاك ضيق الصدر : أي لا تشك في أنه منزل من عند الله ، وعلى هذا يكون النهي له صلى الله عليه وسلم من باب التعريض ، والمراد أمته : أي لا يشك أحد منهم في ذلك ، والضمير في { منه } راجع إلى الكتاب ، فعلى الوجه الأوّل : يكون على تقدير مضاف ، أي من إبلاغه ، وعلى الثاني : يكون التقدير من إنزاله ، والضمير في { لِتُنذِرَ بِهِ } راجع إلى الكتاب ، أي لتنذر الناس بالكتاب الذي أنزلناه إليك ، وهو متعلق بأنزل ، أي أنزل إليك لإنذارك للناس به ، أو متعلق بالنهي ، لأن انتفاء الشك في كونه منزلاً من عند الله ، أو انتفاء الخوف من قومه يقوّيه على الإنذار ويشجعه ، لأن المتيقن يقدم على بصيرة ، ويباشر بقوّة نفس .

قوله : { وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ } الذكرى التذكير . قال البصريون : الذكرى في محل رفع على إضمار مبتدأ . وقال الكسائي : هي في محل رفع عطفاً على كتاب ، ويجوز النصب على المصدر : أي وذكر به ذكرى قاله البصريون . ويجوز الجر حملاً على موضع لتنذر أي للإنذار والذكرى ، وتخصيص الذكرى بالمؤمنين ، لأنهم الذين ينجع فيهم ذلك ، وفيه إشارة إلى تخصيص الإنذار بالكافرين .

/خ7