تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على أن الله وحده الأحد{[847]}  الفرد الصمد ، وأنه لم يخلق الخلق سدى .


[847]:- في ب: أن الله واحد أحد.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

وقوله : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عِبرة لكم ، ودليل لكم على ربكم ، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاريّ ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن ابن جُرَيج ، عن ابن المرتفع ، قال : سمعت ابن الزّبير يقول : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ قال : سبيل الغائط والبول .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزّبير وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ قال : سبيل الخلاء والبول .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ إذَا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ قال : وفينا آيات كثيرة ، هذا السمع والبصر واللسان والقلب ، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر ، وهذا الكلام الذي يتلجلج به ، وهذا القلب أيّ شيء هو ، إنما هو مضغة في جوفه ، يجعل الله فيه العقل ، أفيدري أحد ما ذاك العقل ، وما صفته ، وكيف هو ؟ .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : معنى ذلك : وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعِبر تدلّكم على وحدانية صانعكم ، وأنه لا إله لكم سواه ، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم أفَلا تُبْصِرُونَ يقول : أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه ، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

{ وفي أنفسكم } أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة ، والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة . { أفلا تبصرون } تنظرون نظر من يعتبر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

عطف على { في الأرض } [ الذاريات : 20 ] . فالتقدير : وفي أنفسكم آيات أفلا تبصرون . تفريعاً على هذه الجملة المعطوفة فيقدر الوقف على { أنفسكم } . وليس المجرور متعلقاً ب { تبصرون } متقدماً عليه لأن وجود الفاء مانع من ذلك إذ يصير الكلام معطوفاً بحرفين . والخطاب موجه إلى المشركين . والاستفهام إنكاري ، أنكر عليهم عدم الإبصار للآيات . والإبصار مستِعار للتدبر والتفكر ، أي كيف تتركون النظر في آيات كائنة في أنفسكم .

وتقديم { في أنفسكم } على متعلقه للاهتمام بالنظر في خلق أنفسهم وللرعاية على الفاصلة .

والمعنى : ألا تتفكرون في خلق أنفسكم : كيف أنشأكم الله من ماء وكيف خلقكم أطواراً ، أليس كل طور هو إيجادَ خلق لم يكن موجوداً قبل . فالموجود في الصبي لم يكن موجوداً فيه حين كان جنيناً . والموجود في الكهل لم يكن فيه حين كان غلاماً وما هي عند التأمل إلا مخلوقات مستجدة كانت معدومة فكذلك إنهاء الخلق بعد الموت .

وهذا التكوين العجيب كما يدل على إمكان الإيجاد بعد الموت يدل على تفرّد مكونة تعالى بالإلهية إذ لا يقدر على إيجادِ مثلِ الإنسان غيرُ الله تعالى فإن بَواطن أحوال الإنسان وظواهرها عجائِب من الانتظام والتناسب وأعجبها خلق العقل وحركاته واستخراج المعاني وخلق النطق والإهام إلى اللغة وخلق الحواس وحركة الدورة الدموية وانتساق الأعضاء الرئيسة وتفاعلها وتسوية المفاصل والعضلات والأعصاب والشرايين وحالها بين الارتخاء واليبس فإنه إذا غلب عليها التيبس جاء العجز وإذا غلب الارتخاء جاء الموت . والخطاب للذين خوطبوا بقوله أول السورة { إن ما تُوعَدُون لصادق } [ الذاريات : 5 ] .