تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

الآية 21 وقوله تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تُبصرون } صلة قوله : { وفي الأرض آيات للموقنين } أي وفي أنفسكم أيضا [ آيات ]{[19889]} أفلا يبصرون ؟ أي آيات الوحدانية والرّبوبية وآيات البعث وآية وجوب الشكر والعبادة والامتحان .

أما آيات الربوبية فهي{[19890]} أن الله أنشأ هذا البشر من نُطفة ، ثم قلب تلك النطفة علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظامًا ولحمًا ، ثم ركّب فيها الجوارج { في ظلمات ثلاث } [ الزمر : 6 ] ما رأى الصالح له في الاستواء والصحة سليمة من الآفات غير متفاوتة .

فدلّ أنه فعل واحد لا عدد ، وأن له القدرة الذاتية والعلم الذاتيّ لا المُستَفاد ، وأن ما قلبهم من حال [ إلى حال ]{[19891]} وما ركّب فيهم من الجوارح التي بها يقبِضون ، وبها يأخذون ، وبها يدفعون ، ويسلّمون ، وبها يُبصرون ، ويسمعون ، وبها يمشون ؛ لم يفعل بهم ليترُكهم سدًى ؛ ويُمهلهم فلا يمتحنهم ، ولا يأمرهم ، ولا ينهاهم ، وأنه حين{[19892]} سخّر جميع الخلائق من السماء والأرض وما بينهما ، ما سخّر إلا ليمتحنهم ، وليستأدي منهم شكر ذلك كله .

وفيه آية البعث ، لأنه لا يحتمل أن يكون منه ما ذكرنا ، ثم لا يبعثهم ليُثاب المُحسن منهم ، ويعاقَب المُسيء ، ويُجازى [ كأنه لا ]{[19893]} يقدر عليه ؛ إذ لو لم يكن لكان خلقه إياهم عبَثا باطلا على ما ذكرنا في غير موضع .

وقيل : { وفي أنفسكم } أي في خلق أنفسكم { أفلا تبصرون } أنه كيف سوّى أنفسكم على أحسن الصور وأحسن التقويم بعد ما كان أصلها وجوهرها من ماء ؟ وكذلك أصل جواهر الأنعام والبهائم من نطفة أيضا ، ثم ركّبها{[19894]} على صُور صالحة لمنافعكم . وركّبكم على أحسن الصور ، ثم جعل فيكم من العقل والسمع والبصر ما تُدرك بها حقائق الأشياء المحسوسة والمعاني الحكميّة لتتأملوا في ذلك كله ، فتكون آية الوحدانية وآية إلزام الشكر والعبادة له ، والله الموفّق .


[19889]:من م، ساقطة من الأصل.
[19890]:في الأصل وم: وهو.
[19891]:من م، ساقطة من الأصل.
[19892]:في الأصل وم: حيث.
[19893]:في الأصل وم: كلا.
[19894]:في الأصل وم: ركبهم.