فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

{ وفي أنفسكم } في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال ، آيات تدل على توحيد الله وصدق ما جاءت به الرسل ، فإنه خلقهم نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، إلى أن ينفخ فيهم الروح ، ثم تختلف بعد ذلك صورهم ، وألوانهم ، وطبائعهم ، وألسنتهم ، ثم نفس خلقهم على هذه الصورة العجيبة الشأن من لحم ودم وعظم وأعضاء وحواس ومجاري ومنافس ، وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطرة وبدائع الخلق ما تتحير فيه الأذهان ، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف ، وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها ، دع الأسماع والأبصار ، والأطراف ، وسائر الجوارح ، وتأتيها لما خلقت له ، وما سوى ذلك في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني ، فإنه إذا جسا منها شيء جاء العجز ، وإذا استرخى أناخ الذل { فتبارك الله أحسن الخالقين } .

وقيل يريد اختلاف الألسن والصور والألوان والطبائع ، وقيل يريد سبيلي الغائط والبول ، يأكل ويشرب ، من مدخل واحد ، ويخرج من سبيلين ، وقيل المراد بالأنفس الأرواح ، أي وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات ، ولا وجه لتخصيص شيء دون شيء ، بل اللفظ أوسع من ذلك .

{ أفلا تبصرون } أي : تنظرون بعين البصيرة والعبرة الأرض وما فيها ، والأنفس وما فيها ، فتستدلون بذلك على الخالق الرازق المنفرد بالألوهية ، وأنه لا شريك له ولا ضد ، ولا ند ، وأن وعده الحق ، وقوله الحق ، وأن ما جاءت إليكم به رسله هو الحق الذي لا شك فيه ، ولا شبهة تعتريه .