نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

ولما أشار إلى آيات الآفاق ، أتبعها آيات الأنفس فقال : { وفي أنفسكم } أي من الآيات التي شاركتم بها الجماد ، ثم فارقتموه بالنمو ثم بالحس ثم فارقتم الحيوان الخسيس بالعقل الموصل إلى بدائع العلوم ودقائق الفهوم . ولما كانت أظهر الآيات ، سبب عن التنبيه عليها الإنكار عليهم في ترك الاعتبار بها فقال : { أفلا تبصرون * } أي بأبصاركم وبصائركم فتتأملوا ما في ذلك من الآيات وتتفكروا هل ترون أسباب أكثرها ، فإن كل هذه آيات دالة على قدرة الصانع على كل ما يريد واختياره ، وأنه ما خلق هذا لخلق سدى ، فلا بد أن يجمعهم إليه للعرض عليه ، فالموقنون لا يزالون ينظرون في أمثال هذا بعيون باصرة وأفهام نافذة ، فكلما رأوا آية اعتبروا بها ، فازدادوا إيماناً إلى إيمانهم ، وإيقاناً مع إيقانهم ، وأول نظرهم فما أودعوا من الآيات الحاجة ، فمن تأملها علم أنه عبد ، ومتى علم ذلك علم أن له رباً غير محتاج ، ومن أبصر ذلك أبصر جميع الصفات والأسماء فنفذ فهمه في شفاف الكائنات ، فارتقى إلى أعلى الدرجات .