جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

وقوله : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عِبرة لكم ، ودليل لكم على ربكم ، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاريّ ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن ابن جُرَيج ، عن ابن المرتفع ، قال : سمعت ابن الزّبير يقول : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ قال : سبيل الغائط والبول .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزّبير وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ قال : سبيل الخلاء والبول .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ إذَا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ قال : وفينا آيات كثيرة ، هذا السمع والبصر واللسان والقلب ، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر ، وهذا الكلام الذي يتلجلج به ، وهذا القلب أيّ شيء هو ، إنما هو مضغة في جوفه ، يجعل الله فيه العقل ، أفيدري أحد ما ذاك العقل ، وما صفته ، وكيف هو ؟ .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : معنى ذلك : وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعِبر تدلّكم على وحدانية صانعكم ، وأنه لا إله لكم سواه ، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم أفَلا تُبْصِرُونَ يقول : أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه ، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم .