{ وفي الأرض آيات للموقنين( 20 )وفي أنفسكم أفلا تبصرون( 21 )وفي السماء رزقكم وما توعدون( 22 ) فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون( 23 ) }
حكمة الله تعالى تتجلى في كل ما يحيط بنا ، ويعتبر ويتعظ بآياتها من تزيده الشواهد والعبر يقينا ، أما الغافل ، أو المماري المجادل بالباطل ، أو الجاحد الضال الجاهل ، فأولئك لا ينتفعون بآيات ولا ببرهان : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر }{[5476]} .
أودع الله البارئ المصور أرضنا عجائب لا نحصيها ، فطبيعة تكوينها ليست المتناهية الثقل ، ولا بالبالغة نهاية الخفة والشفافية ، وبذلك تثبت في حيزها وتستفيد من الشمس والقمر حولها ؛ ولم يجعلها في غاية الصلابة ولا في غاية اللين ، وبهذا يمكن الاستقرار عليها ، وشق الأنهار وحفر الآبار فيها ، وإقامة الأبنية منها وعليها ، وانصداعها بالنبات وانشقاقها عنه ؛ ثم انظر إلى آثار رحمة الله في البركات التي تملأ جنباتها : بشر يخافون ربهم ويطيعونه ، ويسبحونه ويقدسونه ، يباهي الله بهم ملائكته ، سخر لهم الأرض فمنها أصلهم ، وفيها قبورهم ومنها بعثهم ونشورهم ، ومن برها وبحرها ومختلف أقطارها أقواتهم وثيابهم وحليهم ، وعلى سطحها ومن جوفها أرزاقهم ، ومن أنعامها وزرعها غذاؤهم ، وعلى دوابها وفلكها ومراكبها أثقالهم وارتحالهم ، وفي حرها وقرّها وليلها ونهارها صلاح لهم ؛ ثم يدلنا الكتاب الكريم على وحدانية العزيز الغفار ، ويتجاوز بنا مجرد الأخبار- وإنها لحق من الله الحق الفاعل المختار-ويحضنا على النظر والاعتبار ، والتدبر في الصنعة الربانية لتهدينا إلى الصانع الواحد القهار : { فلينظر الإنسان مم خلق }{[5477]} ، وفينا معاشر الآدميين علامات ودلائل تشهد بأننا من خلق رب رحيم قادر عليم ؛ فنحن- وقد فضلنا على سائر خلقه- لا نملك حتى بعد أن يمنحنا السمع والبصر والعقل والقوة أن نُحْدِث لأنفسنا خيرا أو ندفع عنها ضرا-إلا أن يشاء ربنا-فكيف نستطيع أن نوجد أنفسنا أو غيرنا ؟ ! .
لقد أثبت العقل والنقل عجزنا عن مضاهاة خلق ربنا ولو في خلق حبة أو ذرة أو أهون دابة { . . . لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له . . . }{[5478]} ، وفي أصل نشأتنا آيات تدل على تفرد ربنا بالخلق والتدبير ؛ فأبونا آدم من تراب خالطه ماء فإذا هو طين صلصال وحمأ مسنون ، يسويه المولى سبحانه وينفخ فيه من روحه فيتناسل منه ومن زوجه بشر منبثون منتشرون متفرقون ؛ وجعل تناسلنا من ماء مهين بين رجل وامرأة يُقِرُّ الله تعالى منه ما يشاء في الأرحام ، ويرعاه خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث- ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة- : { ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأنه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }{[5479]} . ويتولنا على امتداد حياتنا ، فبعد تصوير الأجنة في الأرحام يتزايد الفضل والإنعام فنقوى بعد ضعف ، ونوهب التمييز والإدراك : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون }{[5480]} ، ويمنحنا مولانا المظهر السويّ : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }{[5481]} ؛ وعلى ما أودع أجسامنا من أتقن التراكيب{[5482]} ، ففي الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل ، وفي الأذن عشرة آلاف خلية سمعية ، والقرآن يذكر بجانب من تلك النعم : { ألم نجعل له عينين . ولسانا وشفتين } سورة البلد . الآيتان 9 ، 8 .
{ وفي السماء رزقكم } في جهة السماء السحاب الذي يحمل المطر وفيه حياة العباد والبلاد ، -والنبات والحيوان-أو أسباب رزقكم من النيّرين والكواكب والمطالع والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادي الرزق . . أو التجوز بجعل وجود الأسباب فيها كوجود المسبب-{[5483]} .
[ وقيل : وفي السماء تقدير رزقكم ، وما فيه لكم مكتوب في أم الكتاب . . { وما توعدون } قال مجاهد يعني من خير وشر . . { فورب السماء والأرض إنه لحق } أكد ما أخبرهم به من البعث ، وما خلق في السماء من الرزق ، وأقسم عليه بأنه لحق ، ثم أكده بقوله : { مثل ما أنكم تنطقون } وخص النطق من بين سائر الحواس لأن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه . . وقال بعض الحكماء : كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره ، فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره . ]{[5484]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.