{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ ْ } أي : يفضحهم على رءوس الخلائق ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله .
{ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ْ } أي : تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم وتزعمون أنهم شركاء لله ، فإذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم ، والاعتراف بعنادهم فيقولون { ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ْ } { قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ْ } أي : العلماء الربانيون { إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ ْ } أي : يوم القيامة { وَالسُّوءَ ْ } أي : العذاب { عَلَى الْكَافِرِينَ ْ } وفي هذا فضيلة أهل العلم ، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه ، ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ْ }
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقّونَ فِيهِمْ قَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسّوَءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فعل الله بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف الله جلّ ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدنيا من تعجيل العذاب لهم والانتقام بكفرهم وجحودهم وحدانيته ، ثم هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب أليم وقائل لهم عند ورودهم عليه : أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقّونَ فِيهم ؟ أصله : من شاققت فلانا فهو يشاقّني ، وذلك إذا فعل كلّ واحد منهما بصاحبه ما يشقّ عليه . يقول تعالى ذكره يوم القيامة تقريعا للمشركين بعبادتهم الأصنام : أين شركائي ؟ يقول : أين الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي اليوم ؟ ما لهم لا يحضرونكم فيدفعوا عنكم ما أنا محلّ بكم من العذاب ، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولونهم والوليّ ينصر وليه ؟ وكانت مشاقتهم الله في أوثانهم مخالفتهم إياه في عبادتهم ، كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقّونَ فِيهم يقول : تخالفوني .
وقوله : قالَ الّذِينَ أُتُوا العلْمَ إنّ الخِزْي اليَوْمَ والسّوءَ على الكافرِينَ يعني : الذلة والهوان ، والسّوءَ يعني : عذاب الله على الكافرين .
{ ثم يوم القيامة يخزيهم } يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله تعالى : { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } . { ويقول أين شركائي } أضاف إلى نفسه استهزاء ، أو حكاية لإضافتهم زيادة في توبيخهم . { الذين كنتم تشاقّون فيهم } تعادون المؤمنين في شأنهم . وقرأ نافع بكسر النون بمعنى تشاقونني فإن مشاقة المؤمنين كمشاقة الله عز وجل . { وقال الذين أوتوا العلم } أي الأنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم ، أو الملائكة . { إن الخزي اليوم والسوء } الذلة والعذاب . { على الكافرين } وفائدة إظهار الشماتة بهم وزيادة الإهانة ، وحكايته لأن يكون لطفا ووعظا لمن سمعه .
وقوله { ثم يوم القيامة } الآية ، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا ، ثم ذكر في هذه حالهم في الآخرة وقوله { يخزيهم } لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم ، وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار ، وهذا نظير قوله { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته }{[7279]} [ آل عمران : 192 } . وقوله أين شركائي } توبيخ لهم وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار أي على زعمكم ودعواكم ، قال أبو علي : وهذا كما قال الله تعالى حكاية { ذق إنك أنت العزيز الكريم }{[7280]} [ الدخان : 49 ] وكما قال { يا أيها الساحر ادع لنا ربك }{[7281]} [ الزخرف : 49 ] .
قال القاضي أبو محمد : والإضافات تترتب معقولة وملفوظاً بأَرَق سبب ، وهذا كثير في كلامهم ، ومنه قول الشاعر :
إذا قلت قدني قال تالله حلفة . . . لتغني عني ذا إنائك أجمعا{[7282]}
فأضاف الإناء إلى حابسه ، وقرأ البزي عن ابن كثير «شركاي » بقصر الشركاء ، وقرأت فرقة «شركاءي » بالمد وياء ساكنة ، و { تشاقون } معناه تحاربون وتحارجون ، أي تكون في شق والحق في شق ، وقرأ الجمهور «تشاقونَ » بفتح النون ، وقرأ نافع وحده بكسر النون ، ورويت عن الحسن بخلاف وضعف هذه القراءة أبو حاتم ، وقد تقدم القول في مثله في الحجر في { تبشرون }{[7283]} [ الحجر : 54 ] ، وقرأت فرقة «تشاقونّي » بشد النون وياء بعدها ، و { الذين أوتوا العلم } هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين ، وقال يحيى بن سلام : هم المؤمنون وهذا الخطاب منهم يوم القيامة .
قال القاضي أبو محمد : والصواب أن يعم جميع من آتاه الله علم ذلك من جميع من حضر الموقف من ملك أو إنسي ، وغير ذلك ، وباقي الآية بين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.