أي : ما خلقناهما عبثا وباطلا كما يظن ذلك أعداء الله ، بل ما خلقناهما { إِلَّا بِالْحَقِّ } الذي منه أن يكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما ، واقتداره ، وسعة رحمته وحكمته ، وعلمه المحيط ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له ، { وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ } لا ريب فيها لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وهو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان ، وذنبه بالغفران ، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب ، فإن كل ما هو آت فهو قريب ، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا .
وهو : أن المأمور به هو الصفح الجميل أي : الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية ، دون الصفح الذي ليس بجميل ، وهو الصفح في غير محله ، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة ، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة ، وهذا هو المعنى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَإِنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : وما خلقنا الخلائق كلها ، سماءها وأرضَها ، ما فيهما وما بَيْنَهُما يعني بقوله : وَما بَيْنَهُما مما في أطباق ذلك . إلاّ بالحَقّ يقول : إلا بالعدل والإنصاف ، لا بالظلم والجَور . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك أنه لم يظلم أحدا من الأمم التي اقتصّ قَصَصَها في هذه السورة وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به ، فيعذّبه ويهلكه بغير استحقاق لأنه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما بالظلم والجور ، ولكنه خالق ذلك بالحقّ والعدل .
وقوله : وإنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فاصْفَحِ الصّفْحِ الجَمِيلَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن الساعة ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية ، فارض بها لمشركي قومك الذين كذّبوك وردّوا عليك ما جئتهم به من الحقّ . فاصْفَحِ الصّفْحِ الجَمِيلَ يقول : فأعرض عنهم إعراضا جميلاً ، واعف عنهم عفوا حسنا .
{ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } إلا خلقا ملتبسا بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور ، فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض . { وإن الساعة لآتية } فينتقم الله لك فيها ممن كذبك . { فاصفح الصفح الجميل } ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم . وقيل هو منسوخ بآية السيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.