تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

{ 12 - 13 } { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }

يقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : يخاف منه الصواعق والهدم وأنواع الضرر ، على بعض الثمار ونحوها ويطمع في خيره ونفعه ،

{ وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ } بالمطر الغزير الذي به نفع العباد والبلاد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

ثم لفت - سبحانه - أنظار عباده إلى أنواع متعددة من الظواهر الكونية الدالة على قدرته ووحدانيته ، وبين أن هذه الظواهر قد تكون نعما ، وقد تكون نقما ، وأنها وغيرها تسبح بحمد الله ، وتخضع لسلطانه فقال - تعالى - :

{ هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً . . . } .

البرق : ما يراه الرائى من نور لامع يظهر من خلال السحاب ، وخوفا وطمعا : حالان من الكاف في يريكم ، أو هما في محل المفعول لأجله .

والمعنى : هو الله - تعالى - وحده الذي يريكم بقدرته البرق ، فيترتب على ذلك أن بعضكم يخاف ما ينجم عنه من صواعق ، أو سيل مدمر ، وبعضكم يطمع في الخير من ورائه ، فقد يعقبه المطر النافع ، والغيث المدرار .

فمن مظاهر حكمة الله - تعالى - في خلقه ، أنه جعل البرق علامة إنذار وتبشير معا ، لأنه بالإِنذار والتبشير تعود النفوس إلى الحق ، وتفئ إلى الرشد .

وجملة { وَيُنْشِىءُ السحاب الثقال } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - وإنشاء السحاب : تكونيه من العدم .

والسحاب : الغيم المنسحب في الهواء ، وهو اسم جنس واحد سحابة ، فلذلك وصف بالجمع وهو { الثقال } جمع ثقيلة .

أى : وهو - سبحانه - الذي ينشئ السحاب المثقل بالماء ، فيرسله من مكان إلى مكان على حسب حكمته ومشيئته .

قال - تعالى - { وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

استئناف ابتدائي على أسلوب تعداد الحجج الواحدة تلوى الأخرى ، فلأجل أسلوب التعداد إذ كان كالتكرير لم يعطف على جملة { سواء منكم من أسر القول } [ الرعد : 10 ] .

وقد أعرب هذا عن مظهر من مظاهر قدرة الله وعجيب صنعه . وفيه من المناسبة للإنذار بقوله : { إن الله لا يغير ما بقوم } [ سورة الرعد : 11 ] الخ أنه مثال لتصرف الله بالإنعام والانتقام في تصرف واحد مع تذكيرهم بالنعمة التي هم فيها . وكل ذلك مناسب لمقاصد الآيات الماضية في قوله : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } [ سورة الرعد : 8 ] وقوله : وكل شيء عنده بمقدار [ سورة الرعد : 8 ] ، فكانت هذه الجملة جديرة بالاستقلال وأن يجاء بها مستأنفة لتكون مستقلة في عداد الجمل المستقلة الواردة في غرض السورة .

وجاء هنا بطريق الخطاب على أسلوب قوله : { سواء منكم من أسر القول } [ سورة الرعد : 10 ] لأن الخوف والطمع يصدران من المؤمنين ويهدد بهما الكفرة .

وافتتحت الجملة بضمير الجلالة دون اسم الجلالة المفتتح به في الجمل السابقة ، فجاءت على أسلوب مختلف . وأحسب أن ذلك مراعاة لكون هاته الجملة مفرعة عن أغراض الجمل السابقة فإن جُمل فواتح الأغراض افتتحت بالاسم العلم كقوله : { الله الذي رفع السماوات بغير عَمد } [ سورة الرعد : 2 ] وقوله : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } [ سورة الرعد : 8 ] وقوله : { إن الله لا يغير ما بقوم } [ سورة الرعد : 11 ] ، وجمل التفاريع افتتحت بالضمائر كقوله : { يدبر الأمر } [ سورة الرعد : 4 ] وقوله : { وهو الذي مد الأرض } [ سورة الرعد : 3 ] وقوله : جعل فيها زوجين .

و{ خوفاً وطمعاً } مصدران بمعنى التخويف والإطماع ، فهما في محل المفعول لأجله لظهور المراد .