تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

{ وَأَنزلَ لَكُمْ } أي : لأجلكم { مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ } أي : بساتين { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي : حسن منظر من كثرة أشجارها وتنوعها وحسن ثمارها ، { مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا } لولا منة الله عليكم بإنزال المطر . { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } فعل هذه الأفعال حتى يعبد معه ويشرك به ؟ { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } به غيره ويسوون به سواه مع علمهم أنه وحده خالق العالم العلوي والسفلي ومنزل الرزق .

[ ص 608 ]

أي : هل الأصنام والأوثان الناقصة من كل وجه التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع خير ؟ أم الله الذي { جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا } يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنى والحرث والبناء والذهاب والإياب . { وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا } أي : جعل في خلال الأرض أنهارا ينتفع بها العباد في زروعهم وأشجارهم ، وشربهم وشرب مواشيهم .

{ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } أي : جبالا ترسيها وتثبتها لئلا تميد وتكون أوتادا لها لئلا تضطرب . { وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ } البحر المالح والبحر العذب { حَاجِزًا } يمنع من اختلاطهما فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما بل جعل بينهما حاجزا من الأرض ، جعل مجرى الأنهار في الأرض مبعدة عن البحار فيحصل منها مقاصدها ومصالحها ، { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } فعل ذلك حتى يعدل به الله ويشرك به معه . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فيشركون بالله تقليدا لرؤسائهم وإلا فلو علموا حق العلم لم يشركوا به شيئا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى لفت أنظارهم إلى حقائق كونية أخرى يشاهدونها بأعينهم ، ويحسونها بحواسهم . فقال - تعالى - : { أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً } والقرار : المكان الذى يستقر فيه الإنسان ، ويصلح لبناء حياته عليه .

أى : بل قولوا لنا - أيها المشركون : من الذى جعل هذه بالأرض التى تعيشون عليها ، مكانا صالحا لاستقراركم ، ولحرثكم ، ولتبادل المنافع فيما بينكم ، ومن الذى دحاها وسواها وجعلها بهذه الطريقة البديعة .

ومن الذى { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ } أى : جعل فيما بينها { أَنْهَاراً } تجرى بين أجزائها ، لتنتفعوا بمياه هذه الأنهار فى شربكم ، وفى غير ذلك من شئون حياتكم . ومن الذى { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } أى : جعل لصلاح حالها جبالا ثوابت ، تحفظها من أن تضطرب بكم .

ومن الذى : { جَعَلَ بَيْنَ البحرين } أى : جعل بين البحر العذب والبحر الملح { حَاجِزاً } يجعلهما لا يختلطان ولا يمتزجان .

ثم يأتى الاستفهام الإنكارى { أإله مَّعَ الله } ؟ أى : أإله مع الله - تعالى - هو الذى فعل ذلك ؟ كلا ، ليس مع الله - تعالى - آلهة أخرى فعلت ذلك .

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أى : بل أكثر هؤلاء المشركين ، لا يعلمون الأمور على وجهها الصحيح ، لجهلهم ، وعكوفهم على ما ورثوه عن آبائهم بدون تفكير أو تدبر .

وعبر بأكثرهم ، لأن هناك قلة منهم تعلم الحق ، لكنها تنكره جحودا وعنادا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

و { خلالها } معناه بينها وأثناءها ، و «الرواسي » الجبال ، رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل ، و «البحران » الماء العذب بجملته والماء الأجاج بجملته ، و «الحاجز » ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها التي لولا قدرة الله تعالى لغلب الملح العذب وكل ما مضى من القول في تأويل في قوله { مرج البحرين }{[9047]} [ الفرقان : 53 ] فهو مترتب هاهنا وباقي الآية بين .


[9047]:من الآية 53 من سورة الفرقان.