{ أَمَّن جَعَلَ الارض قَرَاراً } أي جعلها بحيث يستقر عليها الإنسان والدواب بإبداء بعضها من الماء ودحوها وتسويتها حسبما يدور عليه منافعهم فقراراً بمعنى مستقراً لا بمعنى قارة غير مضطربة كما زعم الطبرسي فإن الفائدة على ذلك أتم ، والجعل إن كان تصييرياً فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة ، وجملة قوله تعالى : { أَمَّن جَعَلَ } الخ على ما قيل : بدل من قوله سبحانه : { أَمَّنْ خَلَقَ السموات } [ النمل : 60 ] إلى آخر ما بعدها من الجمل الثلاث وحكم الكل واحد ، وقال بعض الأجلة : الأظهر أن كل واحدة منها إضراب وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر داخل في الإلزام بجهة من الجهات ، وإلى الإبدال ذهب «صاحب الكشاف » ، وسننقل إن شاء الله تعالى عن «صاحب الكشاف » ما فيه الكشف عن وجهه { وَجَعَلَ * خلالها } أي أوساطها جمع خلل ، وأصله الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال من قوله تعالى : { أنهارا } وساغ ذلك مع كونه نكرة لتقدم الحال أو المفعول الثاني لجعل و { لَّكُمْ أَنْهَاراً } هو المفعول الأول ، والمراد بالأنهار ما يجري فيها لا المحل الذي هو الشق أي جعل خلالها أنهاراً جارية تنتفعون بها { وَجَعَلَ لَهَا } أي لصلاح أمرها { رَوَاسِىَ } أي جبالاً ثوابت فإن لها مدخلاً عادياً اقتضته الحكمة في انكشاف المسكون منها وانحفاظها عن الميد بأهلها ؛ وتكون المياه الممدة للأنهار المفضية لنضارتها في حضيضها إلى غير ذلك ، وذكر بعضهم في منفعة الجبال تكوّن المعادن فيها ونبع المنابع من حضيضها ولم يتعرض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان ، وعلل ترك التعرض بأنه لو كان المقصود ذرك لذكر عقب جعل الأرض قراراً ، ومن أنصف رأى أن منع الجبال الأرض عن الحركة والميلان اللذين يخرجان الأرض عن حيز الانتفاع ويجعلان وجودها كعدمها من أهم ما يذكر هنا لأنه مما به صلاح أمرها ورفعة شأنها ، وذكر { لَهَا } دون فيها أو عليها ظاهر في أن المراد ما هو من هذا القبيل من المنافع فتأمل .
وإرجاع ضمير { لَهَا } للأنهار ليكون المعنى وجعل لامدادها رواسي ينبع من حضيضها الماء فيمدها لا يخفى ما فيه { وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين } أي العذب والملح عن الضحاك أو بحري فارس والروح عن الحسن أو بحري العراق والشام عن السدي أبو بحري السماء والأرض عن مجاهد { حَاجِزاً } فاصلاً يمنع من الممازجة ، وقد مر الكلام في تحقيق ذلك فتذكر { أَنَّ مَعَ الله } في الوجود أو في إبداع هذه البدائع على ما مر { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي شيئاً من الأشياء علماً معتداً به وذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره .
ومن باب الاشارة : { أَم مَّنْ جَعَلَ الارض } أي أرض النفس قراراً في الجسد { وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً } من دواعي البشرية { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ } من قوى البشرية والحواس { وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين } بحر الروح وبحر النفس { حَاجِزاً } [ النمل : 61 ] وهو القلب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.