فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

ثم شرع في الاستدلال بأحوال الأرض وما عليها ، فقال : { أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً } القرار : المستقرّ أي دحاها وسوّاها بحيث يمكن الإستقرار عليها . وقيل هذه الجملة وما بعدها من الجمل الثلاث بدل من قوله : { أَمَّنْ خَلَقَ السموات والأرض } ، ولا ملجأ لذلك ، بل هي وما بعدها إضراب وانتقال من التوبيخ والتقريع بما قبلها إلى التوبيخ والتقريع بشيء آخر { وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً } الخلال : الوسط .

وقد تقدّم تحقيقه في قوله : { وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً } [ الكهف : 33 ] { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } أي جبالاً ثوابت تمسكها ، وتمنعها من الحركة { وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً } الحاجز : المانع ، أي جعل بين البحرين من قدرته حاجزاً . والبحران هما : العذب والمالح ، فلا يختلط أحدهما بالآخر فلا هذا يغير ذاك ولا ذاك يدخل في هذا ، وقد مرّ بيانه في سورة الفرقان { أإله مَعَ الله } أي إذا ثبت أنه لا يقدر على ذلك إلاّ الله فهل إله في الوجود يصنع صنعه ، ويخلق خلقه ؟ فكيف يشركون به ما لا يضرّ ولا ينفع { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } توحيد ربهم ، وسلطان قدرته .

/خ66