اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

قوله : { أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً } ، قال الزمخشري : «أَمَّنْ » وما بعده بدل من «أَمَّنْ خَلَقَ » ، وحكمها حكمه{[39291]} . ومعنى قراراً : لا تميد بأهلها{[39292]} ، فإنها لو كانت متحركة لما استقر أحد بالسكنى على الأرض . قوله : «خِلاَلَهَا » : يجوز أن يكون ظرفاً ، ل «جعل » بمعنى خلق المتعدية لواحد ، وأن يكون في محلّ المفعول الثاني{[39293]} على أنها بمعنى صيّر ، وخلالها{[39294]} : وسطها أنهاراً . واعلم{[39295]} أنّ المياه المنبعثة في الأرض أربعة .

الأوّل : مياه العيون السيالة ، قال ابن الخطيب : وهي تنبعث من أبخرة كثيرة المادة قوية الاندفاع تفجر الأرض بقوة{[39296]} .

الثاني : ماء العيون الراكدة ، وهي تحدث من أبخرة بلغت قوتها إلى وجه الأرض ، ولم يبلغ من قوتها وكثرة مادتها أن يطرد ( تاليها سابقها ){[39297]} .

الثالث : ماء القنى والأنهار ، وهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن تشق الأرض ، فإذا أزيل عن وجهها ثقل التراب صار حينئذ لتلك الأبخرة منفذاً يندفع إليه بأدنى حركة .

الرابع : مياه الآبار ، وهي منبعثة كمياه الأنهار إلاّ أنه لم يحصل لها ميل إلى موضع تسيل إليه . ونسبة القنى إلى الآبار نسبة العيون السيالة إلى العيون الراكدة{[39298]} .

قوله : " وجعل لها رواسي " وهي الجبال ثوابت .

قوله : «بَيْنَ البَحْرَيْنِ » : يجوز فيه ما جاز في «خِلاَلَهَا »{[39299]} ، والحاجز : الفاصل : حجز بينهم يحجز أي : منع وفصل ، والمراد بالبحرين : العذب والملح : { أإله مَّعَ الله } قرئ «أَإِلهٌ » بتحقيق الهمزتين وتخفيف الثانية ، وإدخال ألف بينهما تخفيفاً وتسهيلاً{[39300]} . وهذا كله معروف من أوّل هذا الكتاب ، { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } توحيد ربهم .


[39291]:الكشاف 3/148.
[39292]:انظر البغوي 6/296.
[39293]:انظر التبيان 2/1012.
[39294]:في ب: وإخلالها.
[39295]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 24/207.
[39296]:الفخر الرازي 24/207.
[39297]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[39298]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 24/207.
[39299]:انظر التبيان 2/1012.
[39300]:قال ابن خالويه: ("أإله" بهمزتين بينهما مدة عبد الرحمن الأعوج) المختصر (111) وانظر أيضا البحر المحيط 7/89، ولم يعز أبو حيان هذين الوجهين إلى من قرأ بهما.