فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

{ قرارا } مستقرا .

{ خلالها } وسطها وبين جنباتها .

{ رواسي } جبالا ثوابت راسية ومرسية .

{ حاجزا } مانعا ، فلا هذا يغير ذاك ، ولا ذاك يغير هذا .

{ أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا } استفهام يراد به الإنكار[ وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر داخل في الإلزام بجهة من الجهات . . ]{[2890]} ، الله تعالى بحكمته جعل الأرض مستقرا بحيث يستقر عليها ما شاء ربنا من خلق ، يقول العلماء : والجعل إن كان تصييرا فالمنصوبان مفعولان ، وإلا فالثاني حال مقدرة ، وجعل سبحانه أواسط الأرض أنهارا تجري بالماء العذب فيحيا بسببه الإنسان والحيوان والنبات ، بل وتهتز به الأرض وتربو ، وجعل لصلاح أمر أرضكم التي تسكنونها وتستقرون عليها وتنتفعون بها جبالا ترسيها لئلا تضطرب بمن عليها وتميل ، بل ومن أعالي الجبال يبدأ جريان الأنهار ، وفي أصولها يختزن ماء العيون ، وعلى سفوحها يحتشد النبات والمرعى ، أو يستودع بين الصخور ما شاء الله تعالى من كنوز ومعادن .

{ وجعل بين البحرين حاجزا } مانعا من الممازجة ، عن الضحاك : العذب والملح ، فلا هذا يغير ذاك ، ولا ذاك يغير هذا- أي جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا مانعا يمنعها من الاختلاط ، لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا ، فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه ، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس ، والمقصود منها أن تكون عذبة زلالا يسقي الحيوان والنبات والثمار منها ، والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كل جانب والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء بريحها ، كما قال تعالى : )وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا( {[2891]}-{[2892]} ، -{ أإله مع الله } أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع ؟ { بل أكثرهم لا يعلمون } يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية-{[2893]} .


[2890]:ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني.
[2891]:سورة الفرقان. الآية 53.
[2892]:ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم.
[2893]:مقتبس من الجامع لأحكام القرآن.