إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (61)

{ أَم مَّنْ جَعَلَ الأرض قَرَاراً } قيلَ : هو بدلٌ من أمْ مَنْ خلقَ السمواتِ الخ وكذا ما بعدَه من الجُملِ الثَّلاثِ ، وحكم الكلِّ واحدٌ والأظهرُ أنَّ كلَّ واحدةٍ منها إضرابٌ وانتقالٌ من التبكيتِ بما قبلها إلى التبكيتِ بوجهٍ آخرَ أدخلُ في الإلزامِ بجهةٍ من الجهاتِ أي جعلها بحيثُ يستقرُّ عليها الإنسانُ والدوابُّ بإبداءِ بعضِها من الماءِ ودحوها وتسويتِها حسبما تدورُ عليه منافعهُم { وَجَعَلَ خِلاَلَهَا } أوساطَها { أَنْهَاراً } جاريةً ينتفعونَ بها { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِي } أي جبالاً ثوابتَ تمنعها أنْ تميدَ بأهلها ويتكونُ فيها المعادنُ وينبعُ في حضيضِها الينابيعُ ويتعلقُ بها من المصالح ما لا يُحصى { وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين } أي العذابِ والمالحِ أو خليجيْ فارسَ والرومِ { حَاجِزاً } برزخاً مانعاً من الممازجةِ وقد مرَّ في سورةِ الفرقانِ ، والجعلُ في المواقعِ الثلاثةِ الأخيرةِ إبداعيٌّ وتأخيرُ مفعولِه عن الظرفِ لما مرَّ مراراً من التَّشويقِ { أإله مَّعَ الله } في الوجودِ أو في إبداعِ هذه البدائعِ على ما مرَّ . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي شيئاً من الأشياءِ ولذلك لا يفهمونَ بطلانَ ما هُم عليهِ من الشركِ مع كمالِ ظهورِه .