{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني آدم ، ومن الجن والشياطين ومن الطيور فهم يوزعون يدبرون ويرد أولهم على آخرهم ، وينظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم قد استعد لذلك وأعد له عدته .
وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عنه ، قال تعالى : { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } أي : أعط بغير حساب ، فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره{[591]}
ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر ملك سليمان - عليه السلام - فتقول : { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير فَهُمْ يُوزَعُونَ } .
والحشر : الجمع . يقال : حشر القائد جنده إذا جمعهم لأمر من الأمور التى تهمه .
وقوله : { يُوزَعُونَ } من الوزع بمعنى الكف والمنع . يقال : وزعه عن الظلم وزعا ، إذا كفه عنه .
ومنه قول عثمان بن عفان - رضى الله عنه - : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآ ، " .
ولا يزَعُ النفسَ اللجوجَ عن الهوى . . . من الناس ، إلا وافرُ العقل كامِلهُ
والمعنى : وجمع لسليمان - عليه السلام - عساكره وجنوده من الجن والإنس والطير { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أى : فهم محبوسون ومجموعون بنظام وترتيب ، بحيث لا يتجاوز أحدهم مكانه أو منزلته أو وظيفته المسئول عنها .
فالتعبير بقوله { يُوزَعُونَ } يشعر بأن هؤلاء الجنود مع كثرتهم ، لهم من يزعهم عن الفوضى والاضطراب ، إذ الوازع فى الحرب ، هو من يدير أمور الجيش ، وينظم صفوفه ، ويرد من شد من أفراده إلى جادة الصواب .
ولقد ذكر بعض المفسرين هنا أقوالاً فى عدد جيش سليمان ، رأينا أن نضرب عنها صفحا ، لضعفها ويكفينا أن نعلم أن الله - تعالى - قد سخر لسليمان جندا من الجن والإنس والطير ، إلا أن عدد هؤلاء الجنود مرد علمه إلى الله - تعالى- وحده ، وإن كان التعبير القرآنى يشعر بأن هؤلاء الجند المجموعين ، يمثلون مركبا عظيما ، وحشدا كبيرا .
وهب الله سليمانَ قوة من قوى النبوءة يدرك بها من أحوال الأرواح والمجردات كما يدرك منطق الطير ودلالة النمل ونحوها . ويزَع تلك الموجودات بها فيوزعون تسخيراً كما سخر بعض العناصر لبعض في الكيمياء والكهربائية . وقد وهب الله هذه القوة محمداً صلى الله عليه وسلم فصرَف إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن ، ويخاطبونه . وإنما أمسك رسول الله عن أن يتصرف فيها ويزعها كرامة لأخيه سليمان إذ سأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فلم يتصرف فيها النبي صلى الله عليه وسلم مع المكنة من ذلك ، لأن الله محضه لما هو أهمّ وأعلى فنال بذلك فضلاً مثل فضل سليمان ، ورجح بإعراضه عن التصرف تبريراً لدعوة أخيه في النبوءة لأن جانب النبوءة في رسول الله أقوى من جانب الملك ، كما قال للرجل الذي رُعد حين مَثَل بين يديه : « إني لست بِمَلِك ولا جبّار » . وقد ورد في الحديث : " أنه خُيّر بين أن يكون نبيئاً عبداً أو نبيئاً مَلكاً فاختار أن يكون نبيئاً عبداً " ، فرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة التشريع وهي أعظم من رتبة الملك ، وسليمانُ لم يكن مشرِّعاً لأنه ليس برسول ، فوهبه الله ملكاً يتصرف به في السياسة ، وهذه المراتب يندرج بعضها فيما هو أعلى منه فهو ليس بمَلِك ، وهو يتصرف في الأمة تصرف الملوك تصرفاً بريئاً مما يقتضيه المُلك من الزخرف والأُبَّهَة كما بيناه في كتاب « النقد » على كتاب الشيخ علي عبد الرازق المصري الذي سماه « الإسلام وأصول الحكم »{[303]} .
والحشر : الجمع . والمعنى : أن جنوده كانت مُحْضَرة في حضرته مسخّرة لأمره حيث هو .
والجنود : جمع جند ، وهو الطائفة التي لها عمل متّحد تسخَّر له . وغلب إطلاق الجند على طائفة من الناس يُعدّها الملِك لقتال العَدوّ ولحراسة البلاد .
وقوله : { من الجن والإنس والطير } بيان للجنود فهي ثلاثة أصناف : صنف الجن وهو لتوجيه القُوى الخفية ، والتأثير في الأمور الروحية . وصنف الإنس وهو جنود تنفيذ أوامره ومحاربة العدو وحراسة المملكة ، وصنفُ الطير وهو من تمام الجند لتوجيه الأخبار وتلقيها وتوجيه الرسائل إلى قُواده وأمرائه . واقتُصر على الجن والطير لغرابة كونهما من الجنود فلذلك لم يُذكر الخيل وهي من الجيش .
والوزْعُ : الكفّ عما لا يراد ، فشمل الأمر والنهي ، أي فهم يؤمرون فيأتمرون ويُنهون فينتهون ، فقد سخر الله له الرعية كلها .
والفاء للتفريع على معنى حُشر لأن الحشر إنما يراد لذلك .
وفي الآية إشارة إلى أن جمع الجنود وتدريبها من واجبات الملوك ليكون الجنود متعهدين لأحوالهم وحاجاتهم ليشعروا بما ينقصهم ويتذكروا ما قد ينسونه عند تشوش الأذهان عند القتال وعند النفير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.