البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (17)

الوزع : أصله الكف والمنع ، يقال : وزعه يزعه ، ومنه قول عثمان رضي الله عنه :«ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ، وقول الحسن : لا بد للقاضي من وزعة ، وقول الشاعر :

ومن لم يزعه لبه وحياؤه *** فليس له من شيب فوديه وازع

روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرون للجن ، ومثلها للإنس ، ومثلها للطير ، ومثلها للوحش ، وألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة منكوحة ، وسبعمائة سرية ، وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخاً في فرسخ ، ومنبره في وسطه من ذهب ، فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة ، تقعد الأنبياء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين ، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط ، فتسير به مسيرة شهر ، وتفصيل هذه الأشياء يحتاج إلى صحة نقل ، وكان ملكه عظيماً ، ملأ الأرض ، وانقاد له أهل المعمور منها .

وتقدم لنا أنه ملك الأرض بأسرها أربعة : مؤمنان : سليمان وذو القرنين ، وكافران : بختنصر ونمروذ .

وحشر الجنود يقتضي سفراً وفسر الجنود أنهم الجن والإنس والطير ، وذكر المفسرون الوحش رابعاً .

{ فهم يوزعون } : يحشر أولهم على آخرهم ، أي يوقف متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون ، لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ، أو يكفون عن المسير حتى يجتمعوا .

وقيل : يجتمعون من كل جهة .

وقيل : يساقون .

وقيل : يدفعون .

وقيل : يحبسون .

كانت الجيوش تسير معه إذا سار ، وينزل إذا نزل .