السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (17)

ولما كان هذا مجرّد خبر أتبعه ما يصدّقه بقوله تعالى : { وحشر } أي : جمع جمعاً حتماً بقهر وسطوة وإكراه بأيسر أمر { لسليمان جنوده } ثم بين ذلك بقوله تعالى : { من الجنّ } وبدأ بهم لعسر جمعهم ثم ثنى بقوله تعالى : { والإنس } لشرفهم ثم أتبع من يعقل بما لا يعقل بقوله { والطير } فقدّم القسم الأول لشرفه وذلك كان في مسير له في بعض الغزوات { فهم } أي : فتسبب عن مسيره بذلك أنهم { يوزعون } أي : يكفون بحبس أولهم على آخرهم بأدنى أمر وأسهله ليتلاحقوا فيكون ذلك أجدر بالهيبة وأعون على النصرة وأقرب إلى السلامة ، قال قتادة : كان على كل صنف من جنوده وزعة ترد أوّلها على آخرها لئلا يتقدّموا في المسير ، قال والوازع : الحابس وهو النقيب ، وقال مقاتل : يوزعون أي : يساقون ، وقال السدّيّ : يوقفون ، وقيل : يجمعون ، وأصل الوزع الكف والمنع .

قال محمد بن كعب القرظيّ : كان معسكر سليمان عليه السلام مئة فرسخ خمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير ، وقيل : نسجت له الجنّ بساطاً من ذهب وحرير فرسخاً في فرسخ وكان يوضع كرسيه وسطه فيقعد وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فتقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة والناس حولهم والجنّ والشياطين حول الناس والوحش حولهم وتظلهم الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة يعني : حرّة وسبعمائة سرّية ، فيأمر الريح العاصف فترفعه ثم يأمر الرخاء فتسير به مسيرة شهر ، وأوحي إليه وهو يسير بين السماء والأرض أني قد زدت في في ملكك أن لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك به ، فيحكى أنه مرّ بحراث فقال لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال : إني مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ثم قال لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود واستمرّ سائراً بمن معه .