فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (17)

{ وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير } من الأماكن المختلفة في مسير له ، والحشر : الجمع ، أي : جمع له جنوده من هذه الأجناس . وقد أطال المفسرون في ذكر مقدار جنده ؛ وبالغ كثير منهم مبالغة تستبعدها العقول ، ولا تصح من جهة النقل ، ولو صحت لكان في القدرة الربانية ما هو أعظم من ذلك وأكثر .

{ فهم يوزعون } أي : لكل طائفة منهم وزعة ترد أولهم على آخرهم فيقفون على مراتبهم . قيل : كان في جنوده وزراء وهم النقباء ترد أول العسكر على آخره ، لئلا يتقدموا في السير . يقال : وزعه يزعه وزعا : كفه ، فاتزع أي : انفك وأوزعه بالشيء أغراه به ؛ واستوزعت الله شكره فأوزعني ، أي استلهمته فألهمني ، والوازع في الحرب الموكل بالصفوف ، يزع من تقدم منهم أي يرده ، وجمعه وزعة : وقيل : هو من التوزيع بمعنى التفريق ، يقال : القوم أوزاع ، أي طوائف .

وقال ابن عباس : يوزعون يدفعون . وعنه قال : لكل صف وزعة ، ترد أولاها على أخرها ، لئلا تتقدمها في السير كما يصنع الملوك وفي الآية دليل على اتخاذ الأئمة والحكام وزعة ، يكفون الناس ويمنعونهم من تطاول بعضهم على بعض ، إذا لا يمكن الحكام ذلك بأنفسهم . قال الحسن : لا بد للناس من وازع أي سلطان يكفهم .