الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (17)

ثُمَّ ذَكَرَ شُكْرَ فَضلِ اللّه تعالى ، واخْتُلِفَ في مقدار جُنْدِ سُليمانَ عليه السلام اختلافاً شديداً لا أرَى ذكرَه لعَدَمِ صحةِ التَّحدِيدِ ، غيرَ أنَّ الصَّحِيحَ في هذا أنَّ مُلكَه كَانَ عَظيماً مَلأَ الأَرْضَ ، وانقادت له المعمُورةُ كُلُّها ، وَكَانَ كُرسيُّه يَحملُ أجْنَادَه من الأنسِ والجنِّ ، وكانتِ الطيرُ تُظِلُّه منَ الشَّمسِ ، ويبعَثُها في الأمور .

و{ يُوْزَعُونَ } [ النمل : 17 ] مَعناهُ : يَرُدُّ أولهُم إلى آخرهم ، ويكُفُّونَ ، قال قَتَادَةُ : فكانَّ لِكُلِّ صَنْفٍ وَزْعَةً ، ومنه قَوْلُ الحسنِ البصريِّ حين وَلِيَ قضَاءَ البَصْرَةِ : لا بدَّ للحَاكِم من وَزْعَةً ، ومنه قَوْلُ أبي قُحَافَةَ للجاريةِ : ( ذلك يا بُنَيَّةُ الوازِع ) ومنه قولُ الشاعر : [ الطويل ]

على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا *** فَقُلْتُ : أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ

أي : كافٌّ ، وهَكَذا نقل ابنُ العربيِّ عن مَالكٍ ؛ فقال : { يُوزَعُونَ } أي : يُكَفَّونَ ، قال ابن العربي : وقد يكُونُ بمعنى يُلهَمُونَ من قوله { أَوْزِعْنِي أن أَشكُرَ نعمَتَكَ } [ النمل : 19 ] أي : ألْهِمني ، انتهى من «الأحكام » .