تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

{ 12 - 14 } { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }

لما ذكر فضله على داود عليه السلام ، ذكر فضله على ابنه سليمان ، عليه الصلاة والسلام ، وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره ، وتحمله ، وتحمل جميع ما معه ، وتقطع المسافة البعيدة جدا ، في مدة يسيرة ، فتسير في اليوم ، مسيرة شهرين . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } أي : أول النهار إلى الزوال { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } من الزوال ، إلى آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } أي : سخرنا له عين النحاس ، وسهلنا له الأسباب ، في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها .

وسخر اللّه له أيضا ، الشياطين والجن ، لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره ، { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

هذا ما أعطاه الله - تعالى - لنبيه داود من فضل ، أما نبيه سليمان بن داود ، فقد أعطاه - سبحانه - أفضالا أخرى ، عبر عنها فى قوله - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } .

والغدوة والغداة : أول النهار إلى الزوال . والرواح من الزوال إلى الغروب .

والمعنى : وسخرنا لنبينا سليمان بن داود - عليهما السلام - الريح ، تجرى بأمره فى الغدوة الواحدة مسيرة شهر ، وتعود بأمره فى الروحة الواحدة مسيرة شهر . أى : أنها لسرعتها تقطع فى مقدار الغدوة الواحدة ما يقطعه الناس فى شهر من الزامن ، وكذلك الحال بالنسبة للروحة الواحدة ، وهى فى كل مرة تسير بأمر سليمان ، ووفق إرادته التى منحه الله - تعالى - إياها .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا } وقوله - سبحانه - : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } ثم بين - تعالى - نعمة ثانية من النعم التى أنعم بها على سليمان فقال : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر } .

والقطر : هو النحاس المذاب . مأخوذ من قطَر الشئ يَقْطُر قَطْراً وقطَرانا ، إذا سال .

أى : كما ألنا لداود الحديد ، أسلنا لابنه سليمان النحاس وجعلناه مذابا ، فكان يستعمله فى قضاء مصالحه ، كما يستعمل الماء ، وهذا كله بفضلنا وقدرتنا .

ثم بين - سبحانه - نعمة ثالثة أنعم بها على سليمان - عليه السلام - فقال : { وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } .

أى : وسخرنا له من الجن من يكونون فى خدمته ، ومن يعملون بين يديه ما يريده منهم ، وهذا كله بأمرنا ومشيئتنا وقدرتنا .

{ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أى : من ينحرف من هؤلاء الجن عما أمرناه به من طاعة سليمان ، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير } أى : ننزل به عذابنا الأليم ، الذى يذله ويخزيه فى الدنيا والآخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

{ ولسليمان الريح } أي وسخرنا له الريح ، وقرئ { الريح } بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ " الرياح " { غدوها شهر ورواحها شهر } جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك ، وقرئ " غدوتها " " وروحتها " . { وأسلنا له عين القطر } النحاس المذاب أساله من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ، ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن . { ومن الجن من يعمل بين يديه } عطف على { الريح } { ومن الجن } حال مقدمة ، أو جملة { من } مبتدأ وخبر . { بإذن ربه } بأمره . { ومن يزغ منهم } ومن يعدل منهم . { عن أمرنا } عما أمرناه من طاعة سليمان ، وقرئ { يزغ } من أزاغه . { نذقه من عذاب السعير } عذاب الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

قال الحسن : عقر سليمان الخيل أسفاً على ما فوتته من فضل وقت صلاة العصر فأبدله الله تعالى خيراً منها وأسرع الريح تجري بأمره{[9611]} ، وقرأ جمهور القراء «الريحَ » بالنصب على معنى ولسليمان سخرنا الريح ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والأعرج «الريحُ » بالرفع على تقديره تسخرت الريح أو على الابتداء والخبر في المجرور ، وذلك على حذف مضاف تقديره ولسليمان تسخير الريح ، وقرأ الحسن «ولسليمان تسخير الرياح » وكذلك جمع في كل القرآن ، وقوله تعالى : { غدوها شهر ورواحها شهر } قال قتادة معناه أنها كانت تقطع به في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة وتقطع به في الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر ، فروي عن الحسن البصري أنه قال كان يخرج من الشام من مستقره بتدمر التي بنتها له الجن بالصفاح والعمد فَيقيل في اصطخر ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان ونحو هذا ، وكانت الأعصار تقل بساطه وتحمله بعد ذلك الرخاء ، وكان هذا البساط من خشب يحمل فيما روي أربعة آلاف فارس وما يشبهها من الرجال والعدد ويتسع بهم ، وروي أكثر من هذا بكثير ولكن عدم صحته مع بعد شبهه أوجب اختصاره .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الجيوش أربعة آلاف »{[9612]} وما كان سليمان ليعدو الخير ، وقرأ ابن أبي عبلة «غدوتها شهر وروحتها شهر »{[9613]} وكان إذا أراد قوماً لم يشعروا به حتى يظلمهم في جو السماء ، وقوله تعالى : { وأسلنا له عين القطر } ، روي عن ابن عباس وقتادة أنه كانت تسيل له باليمن عين جارية من نحاس يصنع له منها جميع ما أحب ، و { القطر } : النحاس ، وقالت فرقة { القطر } الفلز كله النحاس والحديد وما جرى مجراه ، كان يسيل له منه عيون ، وقالت فرقة بل معنى { أسلنا له عين القطر } أذبنا له النحاس عن نحو ما كان الحديد يلين لداود ، قالوا وكانت الأعمال تتأتى منه لسليمان وهو بارد دون نار ، و { عين } على هذا التأويل بمعنى الذات ، وقالوا لم يلن النحاس ولاذاب لأحد قبله ، وقوله { من يعمل } يحتمل أن { من } تكون في موضع نصب على الاتباع لما تقدم بإضمار فعل تقديره وسخرنا من الجن من يعمل ، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على الابتداء والخبر في المجرور ، و { يزغ } معناه يمل أي ينحرف عاصياً ، وقال { عن أمرنا } يقل عن إرادتنا لأنه لا يقع في العالم شيء يخالف الإرادة ، ويقع ما يخالف الأمر ، قال الضحاك وفي مصحف عبد الله «ومن يزغ عن أمرنا » بغير { منهم } ، وقوله تعالى : { من عذاب السعير } قيل عذاب الآخرة ، وقيل بل كان قد وكل بهم ملك وبيده سوط من نار السعير ، فمن عصى ضربه فأحرقه به .


[9611]:في بعض النسخ "الريح يأمره".
[9612]:أخرجه أبو داود في الجهاد، وكذلك ابن ماجه، وأخرجه الدارمي في السير، ولفظه كما في سنن الدارمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خير الأصحاب أربعة، وخير الجيوش أربعة آلاف، وخير السريا أربعمائة، وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة).
[9613]:على وزن(فعلة)، وهي المرة الواحدة من(غدا) و(راح).