الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

وَقَوْلُه تَعَالَى : { ولسليمان الريح } المَعْنَى : ولسليمانَ سخَّرْنَا الريح ، و{ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } .

قال قتادة : معناه : إنها كانت تُقْطَعُ بِه فِي الغُدُوِّ إلَى قُرْبِ الزَّوَالِ ؛ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَتَقْطَعُ فِي الرَّوَاحِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ مسيرةَ شَهْر ، ٍ وَكَانَ سليمانُ إذَا أرادَ قَوْماً لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَّمَاءِ .

وقوله تعالى : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر } : قَال ابن عباس ، وغيره : كانتْ تَسِيلُ لَهُ باليَمَنِ عَيْنٌ جَارِيَةٌ مِنْ نُحَاسٍ ؛ يُصْنَعُ لَهْ مِنْها جَمِيعُ مَا أَحَبَّ ، و{ القطر } : النُّحَاس ، و{ يَزِغْ } : معناه : يَمِلْ ، أي : يَنْحَرِفُ عاصياً ، وقال : { عَنْ أَمْرِنَا } ولم يقل : «عن أرادتنا » لأَنَّهُ لاَ يَقَعُ في العالِم شَيءٌ يخالفُ إرَادتَهُ سُبْحَانه تعالى ويقعُ ما يخالفُ الأَمر ، وقوله : { مِنْ عَذَابِ السعير } قيل : عذابُ الآخرة ، وقيل : بَلْ كَانَ قَدْ وُكِّلَ بهِم مَلكٌ بيدِه سَوْطٌ مِن نَارٍ السَّعِيرِ ؛ فَمَنْ عَصَى ضَرَبَهُ فَأَحْرَقَهُ .