ولما أتم الله تعالى المراد من آيات داود عليه السلام ، أتبعها بعض آيات ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام لمشاركته في الإنابة بقوله تعالى : { ولسليمان } أي : عوضاً عن الخيل التي عقرها لله تعالى { الريح } قرأ شعبة الريح بالرفع على الابتداء ، والخبر في الجار قبله أو محذوف والباقون بالنصب بإضمار فعل أي : وسخرنا { غدوها } أي : سيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال { شهر } أي : تحمله وتذهب به وبجميع عسكره من الصباح إلى نصف النهار مسيرة شهر { ورواحها } أي : من الزوال إلى الغروب { شهر } أي : مسيرته فكانت تسير به في يوم واحد مسيرته شهرين قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع ، وهذا كما سخر الله تعالى الريح لنبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب ، فكانت تهد خيامهم وتضرب وجوههم بالتراب والحجارة ، وهي لا تجاوز عسكرهم إلى أن هزمهم الله تعالى بها ، وكما حملت شخصين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك فألقتهما بجبل طيىء ، وتحمل من أراد الله تعالى من أولياء أمته كما هو في غاية الشهرة ونهاية الكثرة ، وأما أمر الإسراء والمعراج فهو من الجلالة والعظم بحيث لا يعلمه إلا الله تعالى ، مع أن الله تعالى صرفه في آيات السماء بحبس المطر تارة وإرساله أخرى .
ولما ذكر تعالى الريح أتبعها ما هو من أسباب تكوينه بقوله تعالى : { وأسلنا } أي : أذبنا بما لنا من العظمة { له عين القطر } أي : النحاس حتى صار كأنه عين ماء فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان { ومن الجن } أي : الذي سترناهم عن العيون من الشياطين وغيرهم عطف على الريح أي : وسخرنا له من الجن { من يعمل بين يديه } أي : قد أمكنه الله تعالى منهم غاية الإمكان في غيبته وحضوره { بإذن } أي : بأمر { ربه } أي : بتمكين المحسن إليه { ومن يزغ } أي : يمل { منهم عن أمرنا } أي : عن أمره الذي هو من أمرنا { نذقه من عذاب السعير } أي : النار أي : في الآخرة وقيل : في الدنيا بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة يحرقه ، وهذا كما أمكن نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك العفريت فخنقه وهم بربطه حتى تلعب به صبيان المدينة ، ثم تركه تأدباً مع أخيه سليمان عليه السلام فيما سأل الله تعالى فيه ، وأما الأعمال التي يدور عليها إقامة الدين فأغناه الله تعالى فيها عن الجن بالملائكة الكرام عليهم السلام وسلط جمعاً من صحابته على جماعة من مردة الجان منهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : «لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان » ، ومنهم أبي بن كعب قبض على شخص منهم كان يسرق من تمره وقال : لقد علمت الجن ما فيهم من هو أشد مني ، ومنهم معاذ بن جبل لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقة المسلمين فأتاه شيطان يسرق وتصور له بصور منها صورة فيل ، فضبطه والتفت يداه عليه وقال له : يا عدو الله فشكا له الفقر وأخبره أنه من جن نصيبين ، وأنهم كانت لهم المدينة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أخرجهم منها ، وسأله أن يخلي عنه على أن لا يعود ، ومنهم بريدة ، ومنهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه ، ومنهم زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه ، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صارع الشيطان فصرعه عمر ، ومنهم عمار بن ياسر قاتل الشيطان فصرعه عمار وأدمى أنف الشيطان بحجر ذكر ذلك البيهقي في الدلائل ، وأما عين القطر فهي مما تضمنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أعطيت مفاتيح خزائن الأرض والملك في الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فاخترت أن أكون نبياً عبداً أجوع يوماً وأشبع يوماً » الحديث ، فشمل ذلك اللؤلؤ الرطب إلى عين الذهب المصفى إلى ما دون ذلك ، وروى الترمذي وقال : حسن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت : لا يا رب ولكن أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فإذا جعت تضرعت إليك وشكرتك ، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك » وللطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس : «أن إسرافيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمفاتيح خزائن الأرض وقال : إن الله أمرني أن أعرض عليك أن تسير معك جبال تهامة زمرداً وياقوتاً وذهباً وفضة ، فإن شئت نبياً مالكاً وإن شئت نبياً عبداً فأومأ إليَّ جبريل عليه السلام أن تواضع فقال : نبياً عبداً » ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً من حديث أبي هريرة ، وله في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق على قطيفة من سندس » وفي البخاري في غزوة أحد عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض » هذا ما يتعلق بالأرض ، وقد زيد صلى الله عليه وسلم على ذلك بأن أيده ربه سبحانه بالتصرف في خزائن السماء تارة بشق القمر وتارة برجم النجوم ، وتارة باختراق السماوات ، وتارة بحبس المطر ، وتارة بإرساله إلى غير ذلك مما قد أكرمه الله تعالى به مما لا يحيط به إلا الله عز وجل صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه ، وحشرنا ومحبينا معهم في دار كرامته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.