الآية 12 وقوله تعالى : { ولسليمان الريح غُدوّها شهر ورَوَاحها شهر } كأنه يقول : سخّرنا لسليمان الريح كما ذكرنا في آية أخرى : { فسخّرنا له الريح تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب } [ ص : 36 ] .
وقوله تعالى : { غدوّها شهر ورواحها شهر } أي تجري به الريح ، في غدوّها مسيرة شهر ، وفي رواحها مسيرة شهر . وذلك آية له ، فمثلها من الآية كان لرسول الله حين{[16933]} أسرى في ليلة واحدة مسيرة شهرين { من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا } [ الإسراء : 1 ] .
وما كان سليمان من المُلك الأعوان من الجن والإنس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حين{[16934]} قال : ( نصرت بالرعب مسيرة شهرين ) [ الطبراني في الكبير 11056 ] أعظم مما كان سليمان فلا يكون دونه .
وما كان لأبيه داوود من إلانة الحديد له بلا سبب{[16935]} ، كان لمحمد انشقاق القمر ، وذلك أعظم في الآية مما ذكروه .
وما كان لموسى من انفجار العيون من الحجر ، كان لمحمد من أصابعه حتى ذُكر أنهم كانوا ألفا وأربع مئة نفر ، شربوا جميعا منه ، ورُوُوا . فذلك إن لم يكن أعظم من آية [ موسى ]{[16936]} فلا يكون دونه .
وما كان لعيسى من إحياء الله الموتى وإجرائه على يديه ، كان لمحمد مقابل ذلك كلام الشاة المصلية المسمومة التي أخبرته أني مسمومة ، فلا تتناول مني لما أراد التناول منها .
فآياته كثيرة حتى لم يُذكر لأحد من الأنبياء والرسل ، صلوات الله عليهم ، آية إلا ويمكن أن يذكر لمحمد{[16937]} مقابل ذلك مثلها أو أعظم منها .
ثم يحتمل ملك سليمان وأبيه لئلا يحسدوا محمدا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله له من الملك والشرف ليعرفوا أنه ليس هو المخصوص بالمُلك والشرف ، ولكن له في ذلك شركاء وإخوان ، أعطاهم الله مثل ذلك ، والله أعلم .
[ وقوله تعالى ]{[16938]} : { وأسلنا له عين القطر } قيل : النحاس ، وقيل : الصُّفر . قيل : أُسيلت له [ ليعمل بها ]{[16939]} ما أحب كما أُلين لأبيه الحديد ، فعمِل{[16940]} به ما أحب من الدروع وغيرها بلا سبب ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه } قيل : بأمر{[16941]} ربه ، أي سخّر الله الجن له ، وأمرهم بطاعته في جميع ما يأمرهم ، شاؤوا أو كرِهوا .
ويُخرّج قوله : { بإذن ربه } على وجهتين :
أحدهما : على التسخير له ، فيكون الإذن كناية عن التسخير .
والثاني : { بإذن ربه } أي بأمر ربه أي أمرهم ربهم أن يطيعوه في جميع ما يأمر ، وينهى .
وقوله تعالى : { ومن يزغ منهم عن أمرنا } أي عصاه في ما أمر به : { نُذقه من عذاب السعير } [ إنما أضاف ]{[16942]} أمره إلى نفسه [ لأن الله تعالى أمرهم أن يعملوا له إذا استعملهم في ما استعملهم ]{[16943]} والله أعلم .
قال أبو عوسجة والقتبيّ : { وأسلمنا له عين القِطر } أي أذبنا له عين النحاس . والشكور ، هو الفعول ، والفعول والفعّال ، هما{[16937]} اللذان يُكثران الفعل ، فكان الشكور ، هو الذي يعتقد الشكر لربه ، ويشكر مع الاعتقاد والمعاملة جميعا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.