الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

ثم قال : { غدوها شهر } أي : سيرها به إلى انتصاف النهار مسيرة شهر ، وسيرها به من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر ، قاله قتادة {[55805]} وغيره {[55806]} .

قال ابن زيد : كان لسليمان مركب من خشب وكان له فيه ألف ركن ، في كل ركن ألف بيت ، يركب معه فيه الإنس والجن ، تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ظل المركب هم والعصار والعصار الريح العاصف فإذا ارتفع ظله أتت الرخاء {[55807]} فسارت به وصاروا معه ، يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ، ويمسي عند قوم بينهم وبينه شهر فلا يدري القوم إلا وقد أظلم معه الجيوش والجنود {[55808]} .

ثم قال تعالى : { وأسلنا له عين القطر } أي : وأذبنا له عين النحاس كانت بأرض اليمن قاله قتادة ، قال : وإنما ينتفع الناس اليوم مما أخرج الله لسليمان {[55809]} .

ثم قال : { ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه } أي : منهم من يطيعه ، يأتمر لأمره فيعمل بين يديه لما يأمره به طاعة لله جل ذكره .

فمعنى { [ بإذن ] {[55810]} ربه } أمر الله له بذلك وتسخيره له إياه . فأمن في موضع رفع الابتداء والمجرور المتقدم الخبر {[55811]} ويجوز أن تكون " من " في موضع نصب على العطف على ما قبله {[55812]} .

والتقدير : وسخرنا له من الجن من يعمل {[55813]} فتقف على " القطر " في القول الأول ، ولا تقف عليه في القول الثاني {[55814]} .

ثم قال : { ومن يزغ منهم من أمرنا } أي : ومن يزل ويعدل من الجن عما أمر به من طاعة سليمان .

{ نذقه من عذاب السعير } في الآخرة وهو عذاب النار المتوقدة .


[55805]:انظر: جامع البيان بمعناه 22/69
[55806]:هو قول الطبري أيضا في جامع البيان 22/68
[55807]:الرخاء: ريح لينة سريعة لا تزعزع شيئا، انظر: اللسان مادة "رخا" 14/315
[55808]:انظر: جامع البيان 22/69
[55809]:انظر: المصدر السابق وتفسير ابن كثير 3/529 والدر المنثور 6/678
[55810]:في الأصل: "بأمر" وهو خطأ
[55811]:انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/584
[55812]:تقدير هذا القول أي: وسخرنا له من الجن من يعمل، انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/584
[55813]:انظر مشكل الإعراب لمكي 2/584
[55814]:انظر: القطع والإئتناف 582 وفيه نسبة هذا التوجيه إلى أبي حاتم