غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

1

ثم ذكر المنيب الآخر وهو سليمان ، وحكى ما استفاد هو بالإنابة وهو تسخير الريح له كالمملوك المنقاد لأمره { غدوّها شهر } أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك . يروى أن بعض أصحاب سليمان كتب في منزل بناحية دجلة : نحن نزلناه وما بنيناه ، ومبنياً وجدناه غدونا من اصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه وبائتون بالشام إن شاء الله . ومن جملة معجزاته إسالة عين القطر ، والقطر النحاس أساله لأجله كما ألان الحديد لداود فنبع كما ينبع الماء من العين فلذلك سماه عين القطر . روي أنه كان يسيل في شهر ثلاثة أيام . زعم بعض المتحذلقين أن المراد من تسخير الجبال وتسبيحها مع داود أنها كانت تسبح كما يسبح كل شيء بحمده وكان هو عليه السلام يفقه تسبيحهم فيسبح . والمراد من تسخير الريح أنه راض الخيل وهو كالريح . وقوله { غدوها شهر } أي ثلاثون فرسخاً لأن الذي يخرج للتفرج لا يسير في العادة أكثر من فرسخ ثم يرجع . والمراد بإلانة الحديد وإسالة القطر أنهم استخرجوا الحديد والنحاس بالنار واستعمال آلاتها . والمراد بالشياطين ناس أقوياء . ولا يخفى ضعف هذه التأويلات فإن قدرة الله في باب خوارق العادات أكثر وأكمل من أن تحتاج إلى هذه التكلفات . وقال في التفسير الكبير : الجبال لما سبحت تشرفت بذكر الله فلم يضفها إلى داود بلام الملك بل جعلها معه كالمصاحب ، والريح لم يذكر فيها أنها سبحت فجعلها كالمملوكة . أو نقول : الجبل في السير ليس أصلاً بل هو يتحرك معه تبعاً ، والريح لا تتحرك مع سليمان بل تتحرك مع نفسها فلم يقل الريح مع سليمان بل سليمان كان مع الريح وههنا نكتة وهي أن اله تعالى ذكر ثلاثة أشياء في حق داود وثلاثة في حق سليمان . لعله كالمصروف عن جهته تأمل فالجبال المسخرة لداود من جس تسخير الريح لسليمان : إذ كل منهما ثقيل مع خفيف ، فالجبال أثقل من الآدمي والآدمي أثقل من الريح . وأيضاً تسخير الطير من جنس الجن فإن الطير تنفر من الآدمي والآدمي يتقي مواضع الجن والجن تطلب ابداً اصطياد الناس والإنسان يطلب اصطياد الطير . وإلانة الحديد شبيهة بإسالة القطر . وفي قوله { بإذن ربه } إشارة إلى أن حضور الجن بين يديه كان مصلحة له لا مفسدة . وفي قوله { عن أمرنا } دون أن يقول " عن أمر ربه " إشارة إلى أن الجن كانوا بصدد التعذيب عند زيغهم عن أمر الله ، فإن لفظ الرب ينبئ عن الرحمة ، وصيغة جمع المتكلم في مقام الوحدة ينبئ عن الهيبة . قال ابن عباس : عذاب السعير عذاب الآخرة . وعن السدي : كان معه ملك بيده سوط من النار كلما استعصى عليه الجنيّ ضربه من حيث لا يراه الجني . .

/خ21