تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم ، كما أوحى إلى من قبله من الأنبياء والمرسلين ، ففيه بيان فضله ، بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، سابقا ولاحقا ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل ، وأن طريقته طريقة من قبله ، وأحواله تناسب أحوال من قبله من المرسلين . وما جاء به يشابه ما جاءوا به ، لأن الجميع حق وصدق ، وهو تنزيل من اتصف بالألوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة ، وأن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

والكاف فى قوله - تعالى - : { كَذَلِكَ } بمعنى مثل ، واسم الإِشارة يعود إلى ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة من عقائد وأحاكم وآداب .

أى : مثل ما فى هذه السورة الكريمة من دعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، أوحى الله به إليك وإلى الرسل من قبلك ، لتبلغوه للناس كى يعتبروا ويتعظوا .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : {

كَذَلِكَ يوحي إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } كلام مستأنف ، وارد لتحقيق أن مضمون السورة ، موافق لما فى تضاعيف الكتب المنزلة ، على سائر الرسل المتقدمين فى الدعوة إلى التوحيد والإِرشاد إلى الحق .

والكاف مفعول { يوحي } أى : يوحى مثل ما فى هذه السورة من المعانى . .

وجئ بقوله : { يوحي } بدل { أوحى } للدلالة على استمراره فى الماضى ، وأن إيحاء مثله ، عادته - تعالى - :

و { العزيز الحكيم } صفتان له - عز وجل - .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : كما أنزل إليك هذا القرآن ، كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك . وقوله : { اللَّهُ الْعَزِيزُ } أي : في انتقامه ، { الْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله .

قال : الإمام مالك - رحمه الله - عن هشام بن عُرْوَة عن أبيه ، عن عائشة : أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحيانًا يأتيني مثل صَلْصَلَةِ الجَرَس ، وهو أشده عَلَيّ فيفصم عني قد وَعَيت ما قال . وأحيانا يأتيني الملك رجُلا فيكلمني ، فأعي ما يقول " قالت عائشة{[25762]} فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصّد عرقا .

أخرجاه في الصحيحين ، ولفظه للبخاري{[25763]} .

وقد{[25764]} رواه الطبراني عن عبد الله ابن الإمام أحمد ، عن أبيه ، عن عامر بن صالح ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن الحارث بن هشام ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف ينزل عليك الوحي ؟ فقال : " مثل{[25765]} صلصلة الجرس فيفصمُ عني وقد وعَيتُ ما قاله " قال : " وهو أشده علي " قال : " وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني فأعي ما يقول " {[25766]} .

وقال : الإمام{[25767]} أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد ، عن عبد الله بن عمرو{[25768]} ، رضي الله عنهما ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إليَّ إلا ظننت أن نفسي تُقبَض " تفرد به أحمد{[25769]} .

وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شرح البخاري ، بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .


[25762]:- (2) في ت: "عائشة رضي الله عنها".
[25763]:- (3) الموطأ (1/202) وصحيح البخاري برقم (2) وصحيح مسلم برقم (2333).
[25764]:- (4) في أ: "ولقد".
[25765]:- (5) في أ: "فقال: في مثل".
[25766]:- (6) المعجم الكبير (3/259).
[25767]:- (7) في ت: "وروى".
[25768]:- (8) في ت: عمر".
[25769]:-(9) المسند (2/222).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

والكاف في قوله : { كذلك } نعت لمصدر محذوف ، والإشارة بذلك تختلف بحسب الأقوال في الحروف .

وقرأ جمهور القراء : «يوحي » بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى ، وهي قراءة الحسن والأعرج وأبي جعفر والجحدري وعيسى وطلحة والأعمش . وقرأ أبو حيوة والأعشى عن أبي بكر عن عاصم : «نوحي » : بنون العظمة ، ويكون قوله : { الله } ابتداء وخبره : { العزيز } ويحتمل أن يكون خبره : { له ما في السماوات } . وقرأ ابن كثير وحده : «يوحَى » بالياء وفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول ، وهي قراءة مجاهد ، والتقدير : يوحى إليك القرآن يوحيه الله ، وكما قال الشاعر :

ليبك يزيد ضارع لخصومة{[10106]}

ومنه قوله تعالى : { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال }{[10107]} .

وقوله تعالى : { وإلى الذين من قبلك } يريد من الأنبياء الذين نزلت عليهم الكتب .


[10106]:هذا هو الشطر الأول من بيت نسبه سيبويه للحارث بن نهيك، ونسبه صاحب خزانة الأدب لنهشل بن نحري، والبيت تمامه: ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح وقد سبق الاستشهاد به عن تفسير قوله تعالى في سورة النور {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} راجع الجزء العاشر صفحة (515 هامش 4) من هذا التفسير. والشاهد في البيت أن (ضارع) فاعل لفعل مقدر يفهم من قوله: (ليبك)، كما أن قوله تعالى [رجال] في آية سورة النور فاعل لفعل مضمر دل عليه الظاهر، تقديره: يسبحه رجال.
[10107]:من الآيتين (36، 37) من سورة (النور).